الشعب يريد …

MOSTAFA CHAAB15 سبتمبر 2021165 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
الشعب يريد …

 

اخبار الشعب /نزهة الإدريسي

هذه العبارة كانت سيدة الموقف في بدايات ما عرف ب ” الربيع العربي ” تتلوها مطالب ملحة للشعوب الثائرة مثل الشعب يريد اسقاط النظام ..، الشعب يريد اسقاط الحكومة … الشعب يريد زيادة الأجور… وهكذا..
الا أن هذه العبارة لم تؤتي أكلها قي اغلب الميادين والساحات. اذ بقيت المطالب معلقه بل احالت الوضع الى المزيد من التردي في اغلب البلدان التي عرفت ما يسمى ” بالربيع العربي ”
في خضم هذه الانتفاضة الشعبية تحت ظل هذا الشعار الشعب يريد … بقي المغرب استثناء اذ لم ينجرف الشعب وراء هذا الشعار بل طالب بحقوقه و بالاصلاح بطرقه الخاصة بعيدا عن الصخب والفوضى.
بعد ان افل نجم هذا الشعار في الميادين وساحات الاحتجاجات الشعبية في البلدان التي عرفت هزات سياسية عنيفة ظهر هذا الشعار فجأة في بعض الساحات والاحياء المغربية. ليس التماسا للإصلاح السياسي ولا بإسقاط كيانات معينة، لكن صدح الشعب
” الشعب يريد فتح الحمامات .. !! ”
قد يبدو المطلب غريبا لبعض المتابعين او انها طرفة لكن سيتلاشى الاندهاش عندما يعرف الكل أهمية الحمام المغربي في الحياة الإجتماعية للمغاربة . فهو مرفق للنظافة والتجمل والاسترخاء لا غنى عنه ، يرتاده المغاربة مرة في الأسبوع على الأقل . وقد زاد الشعور بأهميته والحاجة اليه اثناء جائحة كورونا التي اضطرت السلطات الى اقفال الحمامات ضمن الإجراءات الاحترازية ضد وباء كورونا. لم يهتف المغاربة من اجل تخفيف الحجر الصحي ضد اي اجراء آخر كما هتفوا و طالبوا بإعادة فتح الحمامات الشعبية حتى ربطوا هتافاتهم باهم شعار رفعته الشعوب من أجل المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية و الكرامة الإنسانية !!
اذا كانت المطالبة باعادة فتح الحمامات ترقى لدرجة المطالبة بشق من الحرية والكرامة الإنسانية على اعتبار حق الإنسان في النظافة والتجمل والاسترخاء بعد العناء ، وهذا حق إنساني مفروغ منه ، الا أن مطلب المغاربة بقي ناقصا وقد اهملوا شقا مهما من الشعار وهو ” العدالة الإجتماعية ” فقد كان مطلبها اناني بامتياز حين ثاروا لرفاهيتهم و اهملوا حقوق شريحة مهمة من المواطنين لهم ارتباط وثيق بالحمامات الشعبية ولولاهم لما تمت متعتهم واستفادتهم من هذا الحمام وهم عماله وعاملاته او ما يعرفن شعبيا ” بالكسالات او الطيابات ” المؤنث منهم او المذكر، هذه الشريحة التي تعمل في ظروف لا إنسانية قاسية، بلا حقوق او نظام في العمل. يبذلون جهدا بدنيا ونفسيا كبيرا من اجل إرضاء وكسب الزبناء الذين تتوقف عليهم اجرتهم و رزقهم اليومي مما يجبرهم على التضحية بكرامتهم من اجل استجداء ما يسد حاجاتهم الملحة وما يحفظهم واسرهم من الهلاك جوعا .
كل هذا دون النظر الى وضعيتهم بعين الوعي والا اقول عين العاطفة. فهذه الشريحة تحفظ جانبا مهما من الجوانب الحضارية والتراثية المتأصلة للمغرب . بل جانب حضاري إنساني مهم على اعتبار ان النظافة والتجميل من المفردات الحضارية و الإنسانية التي لا يستغني عنها اي شعب، وقد طورت هذه العملية ” النظافة والتجميل ” تطورا ملحوظا و اولتها كل الدول المتحضرة عناية خاصة ، وجعلت لها مدارس واكاديميات لتدريس اصول النظافه والتجميل بطرق متطورة علميا وفنيا مما اعطى لممارسي هذه المهنة قيمة وأهمية ملحوظة رفعت بهم لمراتب الخبراء و المتخصصين في علوم الحياة كما نظراء لهم في تخصصات اخرى تهتم بصحة الانسان وراحته النفسية .
لم يقتصر الأمر على اهمال المطالبة بحقوق شريحة ” الكسالين والكسالات او الطيابات ” بل مازالوا موضع احتقار من بعض الفئات و وسيلة شتم وذم و تقليل من الشأن في الخصام ، و فقد بدأ البعض يلتفت البها و يعي بقيمتها ولو على المستوى الإنساني على الأقل.
وما دامت شعاراتنا المطلبية توجه للحكومات والمسؤولين، فقد كان بديهيا ان ترفع مطالب هذه الشريحة من المواطنين للحكومة الا أن هذا لم يحدث يوما. لسبب أساسي ، ينطبق على المحكومين قبل الحكومة وهو عدم الوعي بدور هذه الشريحة الاجتماعي و الحضاري والثقافي الذي لا يعد ولا يحصى، يكفي انقطاعهم عن العمل بسبب غلق الحمامات وما تسبب فيه من حالة احتقان و قلق والشعور بالحرمان وافتقاد لحاجة مهمة في حياة الشعب هذا إضافة للأهمية والرمزية التي تمثلها الحمامات الشعبية فانتشارها بكثافة و جمال معمارها مؤشر قوي على الرقي الذي وصل اليه اي شعب هذا حسب تقييم ابن خلدون ..
اما الحكومات المتتالية فهي الأخرى لا تعي بأهمية هذه الشريحة بل لم تحترم حتى انسانيتها ، ومن ذلك ما صرح به رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بن كيران في حوار له على قناة الجزيرة : ”أنا جاي أصلح شؤون دولة، ولا جاي أقوم بعمل نساء في الحمامات اللواتي كل واحدة تجر شعر الأخرى” ، وقد اثار تصريحه هذا استنكارا شديدا من بعض الجمعيات الحقوقية النسائية. لكن بقي الاستنكار متوقفا عند هذه الحدود دون ان يتجاوزها لاحقاق حق عاملات الحمامات والشبهات التي تحوم حول اخلاقهن والأخلاق العامة داخل الحمامات.
من هذه النقطة ننطلق للمطالبة بتقنين و تنظيم مهنة العاملين في الحمامات الشعبية . بل بإنشاء مدرسة خاصة تعنى بتعليم تقنيات و ثقافة الحمام المغربي على غرار المدارس العالمية في إطار منظومة الجمال و التجميل العالمية، فالحمام المغربي و عماله احق بالنظر في وضعيتهم و الوعي بقيمتهم الحضارية و الثقافة التي يحمون داخل البخار المتلاطم و حرارة المياه المتدفقة وعناء العمل وقهر الزمان…

نزهة الإدريسي/ المملكة المغربية
15/09/2021
[email protected]

حمام قرطبة التاريخي

صورة ما يسمى الفرناتشي وهو الذي يعمل على تسخين الحمام

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق