دروس كورونا

اخبار الشعب16 أبريل 2020324 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
دروس كورونا

 

 

 

 

اخبار الشعب/بقلم: هاني مراد

منذ ظهور أول حالة من الجائحة العالمية لمرض فيروس كورونا (كوفيد 19 )، عرفت بلادنا العديد من الإجراءات و التدابير التي اتخذت بتعليمات مباشرة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. أبرزها هو الحجر الصحي و إعلان حالة الطوارئ الصحية، و مع هذا التدبير تغيرت حياة المغاربة رأسا على عقب و أخذ الجميع يفكر و يتساءل عن أمور لم تكن تخطر بالبال في الماضي القريب و أضحت الأحداث العادية و التحركات اليومية تفاصيل مستعصية و مقيدة في ظل زمن كورونا. اليوم، يحاول المواطن المغربي أن يتكيف مع أجواء لم تكن في الحسبان، فهو يرى مدرعات عسكرية تجوب الشوارع، و أصبح يسلك طرقا تتخللها حواجز أمنية تراقب رخصة التنقل الاستثنائية و يتخبط العامل في حيرة إن كان سيفقد شغله أم سيواصل عمله في ظل تهديد الوباء بعد أن أغلقت عدة شركات و مؤسسات أبوابها و كيف له أن يتدبر أجره اليومي أو الشهري. الكل وجب عليه التعامل مع الظرفية الخاصة التي نعيشها ،افتقدنا صخب الحياة بمشاكلها و تفاهتها و جدها والكثير يحن اليوم إلى عادات الأمس التي كانت تعتبر من المسلمات و من الحيثيات التي لا أحد يعيرها قيمة. و كأننا نعيش سيناريو فلم هوليوودي، و البعض مازال لم يصدق واقعنا اليوم و يراوده الشك في كثير من الأحيان إن كان في حلم أو يجابه واقعا مريرا. ذهب البعض الآخر إلى التشكيك في أصل الوباء و يتساءل إن كان أمرا مدبرا أريد به أغراض اقتصادية أو حرب عالمية بين قوى عظمى بأسلحة بيولوجية فيروسية جديدة، و لكن ما هو مؤكد و حتمي هو أننا نعيش كابوس وباء فتاك، عجزت أقوى الدول العالمية بمنظوماتها الصحية الرائدة على مجابهة هذا الفيروس الخطير، ووقفت عقيمة تحصي ضحاياها من مرضى و موتى. أما في المغرب، فبمجرد ظهور أولى الإصابات، اتخذت الدولة المغربية بتعليمات سامية من ملك البلاد إجراءات استباقية و متتالية و تعتبر صارمة نوهت بها كبريات الصحف العالمية و لم تتخذ في دول موبوءة إلا بعد فوات الأوان، لأنها معادلة صعبة فمن جهة تضمن هذه الإجراءات صحة و سلامة المواطن مثل إغلاق بعض الشركات و إغلاق المؤسسات التعليمية، الحد من التنقل و تقليص توقيت مداومة المتاجر و الأسواق و إغلاق المقاهي و المطاعم و منع السفر الداخلي و الخارجي طبعا، و لكن الطرف الأخر للمعادلة صعب و هو اقتصاد البلاد، فكل هذه الإجراءات تضر و تأثر بشكل كبير على مالية الدولة
كورونا لا يعتبر بالنسبة لنا وباء قاتلا يهدد صحة المواطنين فقط، بل فرصة ذهبية لاستخلاص دروس و عبر لم نكن لنقف عندها لولا هذه الأزمة الصحية التي أزالت الستار عن العديد من النقائص و أبرزت الكثير من الإيجابيات. الصحة و التعليم من النقاط الأساسية الواجب الانكباب على مناقشتها و مراجعتها و أيضا دور مؤسسات الدولة و الذي كان محوريا في ظل هذه الأزمة و أخيرا روح التآزر و الوطنية التي وطدت من جديد
الدرس الأول المستخلص من كورونا هو إعطاء أولوية للقطاعات التي تتواجد اليوم في الخطوط الأمامية لمجابهة فيروس كورونا و هي الصحة و التعليم بالدرجة الأولى. قد يعتبر الكثيرون أن هذا ليس بمستجد، و الجميع كان يعلم الوضع الكارثي للتعليم و الصحة، و أنه كان مطلبا شعبيا لسنوات خلت. لكن الجديد والعبرة المستفادة هو أن هذه المواضيع أصبح اليوم عليها إجماعا كليا على أهميتها و أولويتها. فضرورة الاهتمام بالقطاع الصحي استفادت منه حتى أقوى الدول العالمية و التي أهملت هذا الجانب رغم قوة القطاع إلا أن الجهود انكبت على ميادين أخرى كالاستثمار في كبريات الشركات و عالم المال و الأعمال و المسارعة لسباق التسلح، فها هي اليوم تعاني من نقص الأسرّة و الأطر الطبية بل و حتى أبسط الأدوات و التجهيزات الطبية كالكمامات. أما في بلادنا، فالكل متفق على أن قطاع الصحة كان يحتضر بتجهيزات و مستشفيات مهترئة و ميزانية أقل ما يقال عنها أنها هزيلة و خصاص في الأطقم طبية إذ أن أغلبها يتجه نحو القطاع الخاص أو يغادر البلاد في إطار هجرة الأدمغة، و لكن الجديد في زمن كورونا هو بزوغ طائر الفينق من رماده، و يمكن تشبيه صحوة هذا القطاع كمشهد في فلم حماسي حيث يتلقى البطل لكمات و ضربات تسقطه أرضا منهك القوى و لكنه يتذكر أشياء و ذكريات و يسمع تشجيعات تجعله يقوم وقفة بطولية و يرد الهجمات لينتصر أخيرا. فمثل هذا المشهد نعاينه في منظومة الصحة اليوم، وقف القطاع الصحي تلبية لنداء الوطن و لخدمة الشعب أسوة بقائد البلاد الذي يسهر على سلامة و صحة شعبه و تجندت الأطقم الطبية بكل نكران للذات ووضعت نفسها سدا منيعا و خطا أماميا لمواجهة الوباء، جهزت المستشفيات بأدوات و آليات و أصبحت معدة لاستقبال المرضى و بالمئات بعد أن كانت تعطي مواعيد لإجراء كشف بسيط في غضون أشهر و مرات يتجاوز الموعد السنة و أكثر. غدينا نرى من الكفاءات الطبية ما يدعونا للافتخار بأبناء بلدنا، أصبح السياسي مستعدا للتصويت على الرفع من ميزانية الصحة و بدون مزايدات، انخرط القطاع الخاص للأطباء أيضا في محاربة هذه الأزمة و عرضوا مصحاتهم و خدماتهم على وزارة الصحة تلبية للواجب الوطني و استدراكا للخطوة التي أقدمت عليها الهيأة الوطنية للأطباء بطلب دعم من الدولة خشية الإفلاس. و من هنا تلعب كورونا دور البوصلة التي توجه الاهتمام نحو الاتجاه الصائب و تخط نموذجا تنمويا صحيا جديدا يوصي بالاهتمام بالعنصر البشري فجل العاملين في القطاع الصحي وجبت العناية بهم ماديا و تكوينيا، بالإضافة إلى كون هذا القطاع هو مسؤولية الدولة و خوصصته مسألة مرفوضة تماما إذ تعتبر المؤسسات الصحية الخاصة تكميلية فقط و ليست القاعدة و ما يعني أن الدولة مستحيل أن ترفع يدها على هذا القطاع الحيوي و الأساسي للمواطن

نواصل في المحور القادم باذن الله درس كورونا في التعليم

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق