تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في صناعة القرار السياسي.

اخبار الشعب16 فبراير 20201٬935 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في صناعة القرار السياسي.

 

اخبار الشعب/

أيوب الغانمية
باحث في القانون / فاعل سياسي

————————

 

إن وصف القرار السياسي بـ “العمومي” شرط أساسي لصحته، أو بمعنى أدق، فإن القرار لا يمكن أن يكتسي صبغة سياسية إلا إذا تم توصيفه بـ “العمومية” فضلا عن الشرعية والإلزام.
والقرار السياسي من حيث جذوره وأصوله، وعبر أزمنة عديدة، نجد أنه غير ثابت المصدر والمرجعية، حيث يمكن أن يكون القرار ذا مرجعية انفرادية، أو نابع من حالة استياء جماعة من الافراد، أو غير ذلك من هذا القبيل، فيضطر المسؤول من خلالها إلى اتخاذ قرارات سياسية متممة، أو معدلة لسياسات عمومية سبق أن نهجتها حكومات داخل دولها.
وتبقى أهم صوَر المصادر تلك التي تكون لصيقة بالجمهور، أي بالتجمعات والتكتلات والتجمهرات في الشارع، والتي أبانت عن قِواها في التغيير والإصلاح، إلا أنه مع ظهور العولمة وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى القول بأن هناك أساليب جديدة للاحتجاج والتعبير عن واقع معيش، مما سيؤدي في الأخير إلى التأثير في القرارات السياسية في مختلف بلدان العالم.
وهنا تطرح عدة تساؤلات متناثرة، إذ كيف استطاعت هذه الوسائط الإلكترونية إسقاط مجموعة من الأنظمة السياسية بالدول المجاورة للمغرب؟ ثم هل يمكن للديمقراطيات الأربع ولا سيما الديمقراطية شبه المباشرة والتشاركية أن تتفاعل مع هذه الوسائط لإيصال صوت الشعب عامة والشباب خاصة؟ و كيف يُمكن للأحزاب اليوم ابتكار حلول لاستدماج الشباب عبر التواصل الاجتماعي للنضال من داخل المؤسسات أو على الأقل لاستيعاب أهمية الترافع من خلال سلك المساطر القانونية؟
كل هذه التساؤلات يمكن اختزالها في سؤالين مهمين يمكن أن يؤطرا هذا الطرح وهما:
– هل يمكن اعتبار وسائل التواصل الاجتماعي جماعة ضاغطة؟
– وإن كان الأمر كذلك، إلى أي حدٍ استطاعت أن تتموقع و تتصدر مشهد الإصلاح والتغيير؟
أولا – وسائل التواصل الاجتماعي جماعة ضاغطة:
يقول “روبرت دال”: إن الجماعات الضاغطة، هي تلك الفئة من المجتمع التي تسعى إلى التأثير في الطبقة الحاكمة والتي تتشكل على أساس المنفعة الخاصة وجمع الثروات واكتساب وسائل النفوذ، حيث إن وجود قنوات مشتركة للاتصال الرسمي وغير الرسمي بين هذه الجماعات وبين راسمي السياسات العامة، يُعد مسألة أساسية لإيصال مطالبهم وقضاياهم بالسرعة والكيفية المطلوبتين وإقناعهم بضرورتها، وأهميتها لإدراجها ضمن مشاريع ولوائح السياسات العامة.
فالجماعات الضاغطة هي جماعات غير محددة الحجم تتباين في نشاطاتها مع تباين المجتمعات التي نشأت فيها، وهذا يفسر أن جماعات الضغط هي جماعات لا توجد في فراغ وإنما داخل مجتمع له أبنيته ونشاطاته. لذلك فدرجة تطور وتعقد تلك الجماعات تتأتى من تطور و تعقد المجتمع الذي تعيش فيه، وتكون أهداف تلك الجماعات إما مادية تسعى إلى الربح فهي تضغط على الأنظمة السياسية والاقتصادية من أجل تحقيق مصالحها، أو تكون ذات طابع أيديولوجي تهدف للدفاع عن قيم ومبادئ معينة. (انتهى كلام روبرت دال)
ولا شك أن الجماعات الضاغطة أو ما يعرف باللوبي، لعبت أدوارا حاسمة في قلب موازين القرارات السياسية عموما، بل حتى على مستوى تغيير الأنظمة السياسية لبلدان عديدة.
و في هذا الصدد فإن هذا الطرح يجرنا إلى الحديث عن الجماعات الضاغطة الداخلية للدولة، حيث تعتبر مختلف الهيئات التي تنشط في إطار تعاضدي جمعوي نقابي، جماعات ضاغطة بالمعنى الواسع لهذا المفهوم، والتي تؤثر على القرارات السياسية للدولة فضلا عن التأثير الاقتصادي والاجتماعي والتشريعي.
واليوم، ونحن نعيش منذ زمن تحت وطأة العولمة المتوحشة، حيث أضحت مواقع التواصل الاجتماعي فاعلا رئيسا في لعب أدوار مؤثرة إلى درجة إحداث التغيير أو قلب الموازين سواء على مستوى السياسات العامة للدولة، أو على مستوى السياسات العمومية. فكثيرة هي الأنظمة التي سقطت عن طريق إعلانات وتدوينات فايسبوكية جعلت من الشعب لحمة واحدة في الدفاع والترافع عن قضاياه، ولنا في مصر وتونس وليبيا والجزائز واليمن ولبنان خير مثال ..
و إذا أخذنا هذه التكتلات الافتراضية وأسقطناها على القرارات العمومية في المغرب، سنلاحظ أن الوضع متدبدب بين الفينةِ والأخرى، فتارةً تكون لها القوة الملزمة في التغيير، وتارةً أخرى يتم طمسها عن طريق الخِطابات الأيدولوجية.
والأمثلة كثيرة عن التلاحمات الشعبية الافتراضية والتي ترجمت إلى مظاهرات في الواقع، كان آخرها حِراك الريف، حيث من خلال هذا الحراك اتُّخذت مجموعة من القرارات السياسية قصد معالجة الأوضاع التي كانت سائدة آنذاك..
لا أحد اليوم قادر على إيقاف الدور القوي و الكبير الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الآراء حول القرارات السياسية بل والتفاعل معها سلبا في بعض الأحيان، وكذا التعبير عن امتعاض مختلف الفعاليات عن طريق نشر تدوينات وأشرطة و طرح استفتاءات من أجل التعبير عن موقف معين تجاه ما خلصَ إليه القرار السياسي.
و في المقابل كثيرة هي القرارات التي تم اتخاذها في مختلف القطاعات ليس بشكل اعتباطي و إنما نزولا عند رغبة التفاعل الكبير عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، والأمثلة على ذلك كثيرة.
و من خلال ما سبق، وفي نظرنا أن مسألة اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي جماعة ضاغطة داخل الدولة تبقى مسألة نسبية تختلف من حالة إلى أخرى، والقول بأنها قادرة على التغيير والإصلاح قول له نصيب كبير من الصحة، لكن لابد من تأطيره وتقنينه إن أمكن وهو ما سنراه في الشق الثاني من هذه المقال.
ثانيا : مساهمة وسائل التواصل الاجتماعي في التغيير والإصلاح.
إذا كانت اليوم مواقع التواصل الاجتماعي تلعب أدوارا مهمة في التعبير وربما في التغيير في أوساط مجتمعنا و تأثيرها نسبيا في القرارات العمومية، فإنه بات من الواجب التفكير في استغلال هذه الثروة الاقتراحية لضرب عدة عصافير بحجر واحد. وتبقى أبرز صورة للاستغلال هي خلق آلية معلوماتية للتشاور والاستفتاء من طرف الدولة أو خلق وسيط إلكتروني بين المواطن والمجالس المُنتخبة قصد النهوض والدفع بعجلة الديمقراطية، وبلا شك أن بلادنا قطعت أشواطا عديدة على مستوى التنظير حول مبادئ الديمقراطية ولا سيما شبه المباشرة منها والتشاركية، الشيء الذي كرسه دستور 2011 والقوانين التنظيمية المخصصة لهذه المبادئ سيما القانون التنظيمي للجماعات والقانون التنظيمي للجهات.
و على هذا الأساس و تطبيقا لهذا المبدأ نجد الفصل 139 من الدستور ينص على ما يلي : ” تضع مجالس الجِهات، و الجماعات الترابية الأخرى آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتسيير مساهمة المواطِنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها.
يُمكن للمواطِنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله”.
فالملاحظ أن الفصل 139 جاء واضح القصد بخصوص الآلية المعتمدة في الاقتراح وهي تقديم العرائض، وأعطى الأولوية للفرد على الجماعة أي أن المواطن اليوم أصبح قادرا على صياغة مقترح وعرضه على مجموعة من الافراد لتشكيل لجنة غير منتمية هدفها تقديم عريضة للمجالس المنتخبة، سواء مجلس جماعة أو مجلس جهة.
فعلى سبيل التمثيل لكيفية تقديم عريضة لمجلس جماعة نجد أن المواد 123 و 124 و125 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات قد تكفلت بهذه الامور وحددت شروط ونطاق تقديم هذه العريضة.
الشيء الذي يدفعنا للتساؤل حول إمكانية تنزيل هذه القواعد على العالم الافتراضي واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي لهذه الغاية.
مثلا، لمَ لا يُمكن خلق آلية معلوماتية دورها الوساطة بين المواطن والمجالس المنتخبة يتم من خلالها تقديم عرائض جماعية بنفس الكيفية التي حددتها القوانين التنظيمية في ظل سكوت الدستور والقوانين التنظيمية عن الوسائل رغم أن الغاية واحدة وفي الوقت الذي أصبحت فيه جل المقاطعات الجماعية بل حتى مجالس الجهات والمؤسسات الدستورية تملك مواقع وصفحات الفايسبوك.
لا شك أن التفكير نحو خلق أدوات من هذه الطينة سيساعد الدولة على امتصاص حالات التعبير غير المسؤول عن مختلف الآراء وسيساعد أكثر المجالس المنتخبة في صناعة القرار السياسي العمومي بشراكة مع المواطنات والمواطنين في وقت جد قياسي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق