الدراما والكتابات التاريخية

MOSTAFA CHAAB9 أبريل 2022238 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
الدراما والكتابات التاريخية

 

اخبار الشعب/محمد أقديم:
الفرق بين قراءة كتاب تاريخ(مصدر – وثيقة – مرجع) حول وقائع تاريخية معينة وبين مشاهدة فيلم أو مسلسل تاريخي حول نفس الوقائع، هو أن المخرج و كاتب السناريو في المسلسل أو الفيلم التاريخيين في حاجة إلى ملء الفراغات المسكوت عنها في المصادر التاريخية من طرف المؤرّخ، فالكثير من التفاصيل الصغيرة وأحيانا العناصر المهمّة والأساسية التي يوليها مُخرج المسلسل والفيلم التاريخيين اهتماما كبيرا وعناية فائقة، كأزياء الشخصيات الرئيسية وأعمارها وخصائصها وملامحها الجسدية، ومسرح الوقائع بمناظرها الطبيعية وفضاءاتها العمرانية، نادرا ما يلتفت إليها “الإخباريون” في المصادر التاريخية، مع العلم أن كل هذه التفاصيل التي تعتبر ثانوية في الكتابات التاريخية، تشكّل مادة أساسية في مشاهد الافلام والمسلسلات التاريخية، وهذا ما يسمح للمخرج وكاتب السيناريو في توظيف خياله الواسع والمبدع في ملء هذه الفراغات، فاللغة المكتوبة وحتى الشفوية، في الكتابات التاريخية و في الأعمال السردية(الرواية -القصة – الحكاية..) تظل عاجزة عن نقل كل تفاصيل الوقائع التاريخية والأحداث مهما كانت قدرة المؤرخ أو الكاتب أو الحكواتي في الوصف الدقيق والتقاط التفاصيل.
فإذا كان كل متلقّي قارئ لكتاب تاريخي (مصدر أو مرجع) أوعمل سردي كذلك( الرواية -القصة..) يوظف خياله الذاتي في تخيّل تلك التفاصيل الصغيرة التي لم يذكرها الكاتب المؤرخ أو الكاتب السارد وفي ملء تلك الفراغات التي يتركها أو لم يلتفت إليها عند تدوينه للأخبار وسرده للأحداث، فإن المخرج أو كاتب السيناريو في المسلسل والفيلم التاريخيين، ينوب عن المتلقّي المشاهد(المتفرج) في تخيّل تلك التفاصيل بتوظيف خياله الخاص( خيال المخرج – السناريست) في ملء تلك الفراغات التي سكت عنها الكاتب المؤرخ في المصادر والمراجع التاريخية والسارد في الاعمال السردية( الرواية – القصة..).

وفي هذا الإطار تقوم الأعمال الدرامية التاريخية( المسلسلات – الأفلام..) بتنميط رؤية المتلقي(المشاهد -المتفرج) لتفاصيل الوقائع التاريخية، حيث تقوم بتعميم رؤية المخرج أو السيناريست وتعمّم قراءته التأويلية التي وظف فيها خياله الخاص لتلك الوقائع التاريخية التي يتناولها في المسلسل أو الفيلم، حيث لا يدع خيالُ المخرج أو السيناريست مجالا للمتلقّي(المشاهد والمتفرج) لتوظيف خياله الذاتي في تصوّر تفاصيل تلك الوقائع التي لم يلتقطها قلم الكاتب المؤرخ أو الكاتب السارد، خاصة إذا لم يكن هذا المتلقّي( المشاهد – المتفرج) قارئا سلفا للمصادر والمراجع التاريخية و للأعمال السردية( الرواية -القصة..) التي تتناول بالكتابة تلك الوقائع التاريخية، أي أنه لم يسبق له أن وظف خياله الخاص في تصوّر تلك الوقائع، وبذلك يصير خيال المخرج والسيناريست بعد مشاهدته للمسلسل أو الفيلم عائقا أمامه في توظيف خياله الذاتي عندما يلجأ إلى قراءة المصادر والمراجع التاريخية أو الاعمال السردية(الرواية -القصة..) عن تلك الوقائع بعد مشاهدته للأعمال الدرامية حولها. وبالمقابل فإنه يقوم بتوجيه انتقادات للعمل الدرامي ( المسلسل -الفيلم -المسرحية..) إذا سبق له أن اطلع، قراءةً، على المصادر والمراجع التاريخية والأعمال السردية حول الوقائع التاريخية ووظف خياله الذاتي في تخييل التفاصيل التي لم يلتقطها قلم الكاتب المؤرخ أو السارد عند قراءتها قبل مشاهدة مسلسل أو فيلم حولها، ومصدر هذه الانتقادات غالبا ما يكون نابعا من الاصطدام بين تخييل القارئ لتلك التفاصيل وفي ملء تلك الفراغات التي لم يلتفت اليها قلم الكاتب المؤرخ أو السارد، وبين خيال المخرج والسيناريست بعد تمثيلهما لتلك الوقائع في المسلسل أو الفيلم.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق