الطاهر بن جلون .. أعبر عن هويتي بلغة أجنبية

MOSTAFA CHAAB17 أبريل 2022142 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
الطاهر بن جلون .. أعبر عن هويتي بلغة أجنبية

 

اخبار الشعب/ثراء هاني:

يعد الشاعر والروائي والقاص والصحفي المغربي الطاهر بن جلون واحدا من كبار كتاب الأدب الفرنسي من غير الأصول الفرنسية. وقد تنوعت كتاباته وتوزعت، ما بين مجالات الشعر والقصة والرواية والمقالة، ولكنه كان أكثر إخلاصا للرواية، فقد صدر له في هذا المجال عدة روايات منها: (حرودة، وموحا المجنون – وموحا الحكيم، وطفل الرمال، والليلة المقدسة، أو ليلة القدر، وصلاة الغائب، والكاتب العمومي، وعينان منكسرتان)، وغيرهما.

كذلك له عدة مجموعات شعرية منها: (شجرات اللوز ماتت من جروحها)، وديوان (رجال تحت كفن الصمت) وديوان (نذوب الشمس)، وغيرها، ومؤلفات أخرى. وترجمت أعماله إلى ثلاث وأربعين لغة أجنبية. نشر له أول كتاب عن العمال المهاجرين، وذلك عام (1976م) تحت عنوان (أقصى درجات العزلة)، فاستطاع بعد ذلك أن ينتزع له مكانا بين أشهر أدباء العالم في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين.
يعد الطاهر بن جلون أكثر الروائيين المغاربة إنتاجا باللغة الفرنسية، وحقق في سنوات نجاحا كبيرا داخل فرنسا نفسها، حيث حصل على جائزة (كونكور) الشهيرة عن رائعته الروائية (ليلة القدر أو الليلة المقدسة). وهذه الجائزة توفر لصاحبها ذيوع الصيت لدي الجمهور الفرنسي. وكان سابع أديب غير فرنسي، يحصل على تلك الجائزة الأدبية، وهذه الجائزة الرفيعة، تعتبر أعلى تقديرا أدبي يحصل عليه الأدباء في فرنسا.

إن الصورة الراسخة لدى القارئين الغربي والعربي، على حد السواء، عن الكاتب والأديب المغربي الطاهر بن جلون هي كونه ورائيا، وذلك على الرغم من تنوع تجربة الكتابة لديه. وقد أسهم في تركيز هذا الوصف تراكمه الإبداعي في جنس الرواية، الذي حصل بفضله على جوائز أدبية مهمة على رأسها جائزة (كونكور)، كما زكت هذه الصورة مختلف الأبحاث والدراسات النقدية التي تم إنجازها، إما حول أعماله الخاصة، وإما حول الأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية عموما، والتي غالبا ما ركزت على إنجازاته الروائية. لكن الراصد للطاهر بن جلون سرعان ما يكتشف أن هذا الرجل قد أنجز إلى جانب أعماله الروائية المعروفة أبحاثا علمية، وأصدر دواوين شعرية، وكتب أنطولوجيا عن الشعر الحديث بالمغرب، علاوة على إسهاماته في مجال الكتابة المسرحية بإصداره عام (1984م) نصا بعنوان (عروس الماء).

وفي عام (1974م) جذب الانتباه من خلال تقرير مفصل نشر على الصفحة الأولى من جريدة (لوموند) الفرنسية، الذائعة الصيت عن رحلة الحج التي قام بها إلى الأراضي المقدسة، ثم تزايد الانتباه إليه بعد نشره عدة مقالات، تضمنت آراءه في قضايا الشرق الأوسط، وأظهر تضامنه مع الشعب الفلسطيني.

ولد الطاهر بن جلون في مدينة فاس المغربية عام (1944م)، وانتقل مع أسرته الى مدينة طنجة عام (1955م)، وقد كان لها أبلغ التأثير فيه، فالطبيعة والبيئة والظروف السياسية، التي مرت بها هذه المنطقة، جعلته يتجه إلى دراسة الفلسفة، سواء في المغرب أو في باريس بعد ذلك، حيث التحق في طنجة بمدرسة فرنسية، ودرس الفلسفة في مدينة الرباط حتى عام (1971م)، ولما أعلنت الحكومة المغربية عزمها على تعريب تعليم الفلسفة، هاجر في مطلع السبعينيات من القرن الماضي إلى فرنسا، وهو يحمل طموحا كبيرا، فحصل من هناك على شهادة الدكتوراه في علم النفس. وبدأ مسيرته في الكتابة بعد فترة من وصوله إلى باريس، فاتجه إلى كتابة الشعر، وعمل كاتبا في صحيفة (لوموند)، وبدأ ينشر أعماله من الشعر والرواية

لقد تعلم الطاهر بن جلون اللغة الفرنسية في الوقت الذي تعلم فيه العربية، ومع مرور الوقت صار تحديا، فشعر بأنه استولى على لغة الأجنبي المستعمر، الذي كان يستعمر بلاده، قائلا: (إن الفرنسية التي نكتب بها نحن المغاربة، فرنسية تختلف قطعا عن فرنسية ميشال تورنييه، ولي كلوزيو، لغتنا الفرنسية (مسكونة) بذاكرة عربية، وباستحياء عربي، لغة أدخلناها في متاهة دواخلنا، وفي ثنايا لا وعينا، بمعنى من المعاني بتنا نحن الذين نستضيف هذه اللغة، لا هي التي تستضيفنا، وذلك لأننا ندخلها في عالم وفي خيال لم يكن بوسعها أبدا أن تصل إليهما من دوننا، نحن نعبر بها، وهي تتبدل، وتتطور، بل وربما تستعيد لنا شبابها). ويقول أيضا:( الكتاب الذين ليسوا بفرنسيين ويكتبون بالفرنسية يدخلون بشيء جديد من ثقافتهم، ويضيفونه إلى التجربة التي هم بصددها، وهذا هو الذي خلق خصوصية للأدب العربي بالفرنسية).

ينتمي الطاهر بن جلون إلى الجيل الثاني من الكتاب المغاربة، الذين يكتبون بالفرنسية، فالجيل الأول، جيل الرواد، الذي يمثله أحمد الصفريوي، وكاتب ياسين، وعمروش وغيرهم، وذلك استجابة لرغبتهم في التعبير عن ذواتهم داخل مجال ثقافة المستعمر، وتقديم صورة عن مجتمعهم. ويصف الطاهر بن جلون المسكون بوجع الحاضر، والممتلئ حتى الخاصرة بمخزون الماضي، جيله قائلا:( كانت قناعاتنا تطلع من ضميرنا المعذب، إنما كنا نعبر عن ذواتنا بلغة، لا يمكن للشعب قراءتها أو سماعها، أما الهوة التي راحت تفصل بين المثقف والشعب، فلم تكف عن الاتساع. لقد كنا كتابا مزيفين مقتلعين، لا نملك، للتعبير عن أحلامنا وشكوكنا وغضبنا، سوى لغة الاستعمار. كانت الديماغوجية تهزنا، وكنا نريد لأنفسنا أن نكون حديثين ومخلصين وملتزمين، أي أن نكون شهودا على عصرنا، قريبين، خاصة، من هموم شعبنا، لذلك لكي نبرز أنفسنا، رحنا ننصب خيمتنا في المقابر، التي كان علينا أن نتوجه إليها بشعرنا وكتاباتنا.. أنا لم أشك لحظة في هويتي العربية، حتى ولو كنت أعبر عن هذه الهوية بلغة (أجنبية). وفي مجمل الخطاب الروائي، يعمل الطاهر بن جلون في النظام السردي، على محورة أحداث الرواية في نقطة واحدة (نقطة مركزية) تشكل حبكة الرواية بمفهومها الكلاسيكي.

ثراء هاني .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق