العالم القروي في رواية” خيول لا تصهل”

MOSTAFA CHAAB21 أبريل 2022677 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
العالم القروي في رواية” خيول لا تصهل”

 

اخبار الشعب/ادريس بنيحيى:

لقد استطاع القاص والروائي مصطفى لمودن حقا أن يميط اللثام عن القرية وأجوائها وواقعها، سواء في كتاباته القصصية أو من خلال روايته “خيول لا تصهل”.
هذه الإماطة لم تكن بنت اللاتجربة، وهو الطفل الذي قضى مرحلة مهمة من طفولته في البادية وبين مداشرها كما أنه درس سنواته الابتدائية بها وتشبع بأجوائها وطبعتها.
وفي أكثر ما من مرة أستشف حضور فضاء القرية بكل تفاصيله في كتاباته القصصية التي تمتح من عمق الواقع القروي زمن ثمانينيات القرن الماضي وحتى ألفنياته، بحيث تجده دقيق الوصف والأحداث سواء فيما مضى أو حتى فيما حضر، وخصوصا حين تجد الطفل يسرد الحاضر بلسان الماضي ويقوى على استحضار كل تفاصيله وشاكلته كحادثة المدرسة وانتقاله من مستوى إلى مستوى دون التدرج في التراتبية المدرسية،

كما تجد قصص مصطفى لمودن ومروياته تجمع بين التعبير عن الذات والمحيط والانغماس في سلوكات وطقوس وعادات ووقائع سكان القرية أو الدوار، لذا ظلت القرية حاضرة في رواية (خيول لا تصهل) بفضائها البسيط وشخصياتها العادية المستوحاة من شخصيات واقعية وقد تكون متخيلة باعتبار طقوس الإبداع والكتابة.

أما فيما يتعلق بالسرد والمرويات من داخل الرواية فإنها متمردة بشكل من الأشكال عن نمط التراتبية في سرد الأحداث كما عهدناها ضمن الروايات الكلاسيكية، هذا دفعه إلى توظيف تقنية التكثيف اللغوي التي ظلت خصيصة محتكرة من طرف القصة القصيرة خصوصا، كما أنك تجده تارة يروي بعين الفيلسوف وتارة بعين المثقف وأخرى بمنطق العامي البسيط، وهنا تكمن قوة الرواية وتميزها عن باقي الروايات الأخرى التي تزخر بها المكتبات العربية والمغربية.

وهنا نقف عند قوة إبداعية مصطفى لمودن سواء تعلق الأمر بالرواية أو في كل ما يكتب من قصص باعتباره قاصا بامتياز، وتجربته في كتابة الرواية كانت محفوفة بالحذر والتوجس من نجاحها، مما كلفه سنوات في كتابتها، خصوصا أمام غزارة إنتاجه القصصي.
غير أن الملاحظ على خطاب الروائي مصطفى لمودن في مختلف إنتاجاته الأدبية أنه خطاب واقعي وموضوعي صريح، وإن كان أدبيا يقتات من اللغة المجازية، فمصطفى لمودن قد تجمعه مجموعة من التقاطعات مع الروائي الراحل محمد شكري باعتبار الإثنين لا يعملا على تجميل الواقع ومحاباته ولا يخشيا حتى سلطة الرقابة بشكل من الأشكال، لذا تجد خطاب مصطفى لمودن يصف الأشياء بمسمياتها. وهنا يحضر الروائي السياسي اليساري الذي طالما تبنى ولازال خطابا صريحا وموضوعيا اتجاه قضايا شتى سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية.

لكن المثير في شخصية مصطفى لمودن ذلك الطفل الصغير الذي يسكنه ولا يتخلى عنه أبدا، فتارة تجد فيه المشاغب، وفي جل حركاته وسكناته تجد فيه الهادئ والحالم والمتأمل لقضايا عديدة. وهنا تحضر إبداعية مصطفى لمودن في عالم قصص الأطفال التي يجيد كتابتها، وكثيرة هي قصصه المنشورة في مجالات عربية عديدة.
هذا ما قد استحضرته من خلال متابعتي للنقاش المباشر على منصة الفايسبوك ليلة الاثنين 18 أبريل، الذي نظمه الأستاذ رضا سكحال بمشاركة كل من الروائي مصطفى لمودن والأستاذ جواد الشرادي الذي أغنى النقاش بتدخلاته في بعض ما جاء في ثنايا رواية (خيول لا تصهل ). وقد ركز على حضور العالم القروي بكل تجلياته باعتباره فضاء أحتضن أحداث الرواية، فالمكان يظل له حضوره القوي ضمن الرواية عموما وإن اختلفت الأحداث والمرجعيات والتوجهات.

كما عرج الأستاذ جواد الشرادي على تجربة الروائي في العالم القروي من خلال التدريس وما كان لها من تأثير في إنتاج نص روائي يمتح جل أحداثه من عالم القرية، وإن حضرت المدينة باعتبارها امتدادا للقرية المغربية. ويظل الفيديو متوفرا ومتاحا ورابطه على حساب صاحب الرواية..
قدم الأستاذ الشرادي فكرة عميقة تميزت بها رواية (خيول لا تصهل) ألا وهي قضية مناشدة التغيير والصراع الفكري ما بين الكائن والممكن.
كما أشارت الرواية إلى تيمة أساسية من خلال حضور المهاجرين المغاربة أبناء القرية ضمن محكيتاها ومدى تأثرهم بالثقافات التي رحلوا إليها باعتبارها مختلفة عن المحلي قلبا وقالبا، وهل فعلا استطاعوا التأثير في محيطهم بتلك الأفكار النيرة التي تشبعوا بها في ديار المهجر؟

والرواية عموما غنية بالأحداث الواقعية المتشابكة والمتشاكلة والمتصارعة، هذا أكسبها حضورها الروائي في المغرب خصوصا.

وتظل الرواية الواقعية أكثر حضورا وتقبلا في المجتمعات العربية لٱعتبارات متعددة، يتقاطع فيها السياسي بالإجتماعي والإقتصادي والفكري.
كما أغنى سؤال الأستاذ يونس كلة النقاش حين تفضل بسؤاله حول التعدد والإختلاف في قضية كتابة الرواية، ليرد الروائي بالإيجاب وبنظرته التفاؤلية حول قضية التعدد والإختلاف والتنوع على مستوى طرائقية كتابة الرواية، فلكل نص روائي مجال ٱشتغاله وطبيعة مرجعيته التي ينهل منها كتابها، فالرواية الواقعية ليست كالبوليسية أو التاريخية او الواقعية.. فالعوالم والأحدات تتغير من نص لنص ومن نمط لنمط وكل تغيير في هذا يؤثر على مناص باقي مكونات الرواية من أمكنة وأزمنة وقضايا ومبادئ ومواقف وقناعات ورؤى، بٱعتبار أن الكتابة الروائية حاملة لرؤية مستقبلية.
ليختم النقاش الأستاذ رضا سكحال بسؤال جوهري وعميق وإن تطبعه الكلاسيكية على مستوى الدراسات الأكاديمية، ألا وهو عتبة العنوان كموشير أساسي في فهم ثنايا وأعماق النص، خصوصا أنه جاء عنوانا مركزا ومستفزا ونكرة.

والمثير في عتبة العنوان أنه خالف العادة والطبيعة حتى، بٱعتبار الصهيل خصيصة لا يمكن سحبها عن الخيول، سواء في التفكير الفردي أو حتى الجمعي الذي ٱرتبط بخاصية ثبوت الصهيل، وذلك دليل على أصالة الخيل. ناهيك عن مدى حضور الخيل ضمن البنية الذهنية الجمعية للإنسان العربي عموما من منطلقات متعددة أهمها الديني اقتداء بالحديث النبوي الشريف (الخيل على نواصيها الخير).
بالإضافة إلى هذا فعنوان الرواية يكتسي جمالية ورمزية عميقة، ويعزف على وثر المتناقضات، فالثقافة العربية لا تقبل بعدم صهيل الخيول، وإلا كانت غير الخيول الأصيلة، مجرد خيول مهجنة تنتمي لسلالة مختلطة ويصعب تحديد نسلها، هذا ما دفع مجموعة من النقاد والمهتمين والمثقفين إلى سبر أغوار هذه العتبة التي تحمل دلالات عميقة ومستفزة في الأن وقته، وقد كان مصطفى لمودن موفقا جدا في اختيار عنوان روايته (#خيوللاتصهل).

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق