بورتري عزيزة يحضيه عمر هم صوّروا الأنثى جسدا آثما وهي أبرزتها يراعا رحيبا

MOSTAFA CHAAB16 أبريل 2022158 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
بورتري عزيزة يحضيه عمر هم صوّروا الأنثى جسدا آثما وهي أبرزتها يراعا رحيبا

 

اخبار الشعب /حسن بيريش:

(1)
“أنا الصحراء…
وهذه الصحراء لي
نغمة ودمعة وقدح من اللبن”.
يا لورطتي كم هي رحيبة، ويا لذهولي كم هو شاسع، ثم يا لهول حبري كم هَيَّاب أنا !
بربكم أغيثوني: كيف يمكنني أن أتمدد، وكيف لي أن أتوسع، لكي أستوعب أقاصي امرأة بحجم صحراء، وألمعية شاعرة حولت الفريسة إلا فراسة، وجرأة إعلامية أبدعت أكثر مما ظنوا بقليلها، وخطت أوسع مما حسبوا لخطوها ؟!
إنه لتيه هو ذاك الذي ينتظر رحلتي. وإنها لحيرة هي تلك التي يتوقعها سيري. وليس لي، في هذا الخضم الهائل الذي يلوح لي، سوى أن يَتَقَدَّمني الدَّليلُ، رؤية على ممشى، حَتَّى لا يفلت مني “خيط أريانة”، وحَتَّى أتَمَكَّنَ من فرز ولو بعض الخيوط الكثار لمسيرها الحاشد، والمشحوذ.
“من رحابة وتلال وبقايا أطلال لي
وأنتم العابرون عبر سديمها
للغيمة والسراب
ماكان الغراب يوما حمامة
وما كان الحمام نعام
زوابع الظهيرة التي تخفي العيوب
وراعي إبل يحمل على ظهره
تجاعيد الزمن
مساء حالم بأنثى قاصر
هذه الصحراء أنا
تمطر في الصيف بيضا أزرق
وفي الشتاء تحمل وديانها دمعا أخضر”.

(2)
“تكتبني الرحلة،
جملة إسمية،
وأكتبها،
كوبا مسافراً في الظلام،
يحتسي وحدته وأحتسي قهوته”.
أبدا لا تخيب في جماع نصوصها فراستي. حتما لا تستدل محبرتي بغير مأنوس مسكوتها في ملفوظها. ثم قطعا هي تضيء حين يسدل ليل العتمات على “جنوب الروح”، كما تجهر عتبة رواية محمد الأشعري.
أن تقرأ لها، وجها لحرف، أنت مطالب بأن تقرأ فيها، علانية لسر، وهي ملتزمة بأن تكتب لها، ولك، ما عبره تكون الكتابة مواجهة، ناعمة كما الرمل، بين كاتبة جِدّ مفترضة، وقارىء جِدّ واقعي.
“راحلون من حبري،
يتراقصون على أنغام قيثارة،
كفراشات ويعسوب،
ورود مبتلة وريقاتها تبعث اريجاً،
كاللغة في معصم مراهقة،
عيونهم الجاحظة،
تغازل إمرأة تعدَّتْ الستين…”.
عن المبدعة المتعددة عزيزة يحضيه عمر، أجدني أكتب كل شبوب المكشوف في رؤيتي كي أدرك مجمل جنوح مقامات المشهود في رؤياها.

(3)
“لهم كتبهم يعبرون منها،
سياحا في بلاد ليست بلدانهم،
على الطاولة منديل وقبعة،
وأساور إمرأة من ظل آلهة،
على الطريق.. طريق،
الاتجاهات الأربعة تلتقي عند زاوية،
السواد اللون الذي يكشف الآخر،
ويكشف خصر فاتنة،
تجتمع الحروف في ميتم،
الفقيدة قصيدة لم تفض بكارتها،
تحتفي الحياة بالحياة،
في كنف الحياة،
بين سندان ومقصلة”.
في معيتها، دوما أحسني، بل أراني، وأنا جِدّ منجذب إلى التسليم بثراء لغتها الحَرّانة. يحدث ذلك في أيَّما نصوص تبدعها بوافر تأمل، وبكثير تَأَنٍّ، لتريني، لتريكم، البواعث الأولى لارتعاش الكلام في مهب تجويدها. لدي من عديد الأسباب ما يخول لي، دونما ظنون، أن أقول: إن مخيالها اللغوي، ذاك المتيقظ في مراتب المعاني، يمتد صوب كُلِّ
أقاصيه المترامية الدهشة.
“نرجسية أنا فيك
ونرجسية أنت في
نتبادل التهم كزوار الليل
لمخافر الشرطة
مرة الامتداد وهنيهة الامتلاك
ياجمال الكون المرصع
والمختزل في خيمتي
أنا البادية وأنت المبتدأ
وكلانا الخبر
في قصاصة أخبار تاه الآخرون
العابرون من مسالك الغيم
اعتليت عرش مملكتي”.
تعبيرها اللغوي الآسر، لَهُ رَغْبَةٌ شَدِيدَةٌ، وماكرة أيضا، في مَعْرِفَةِ كُلِّ شَيْءٍ يمور داخل بنية الكلم. يَدْفَعُهُ الفُضُولُ المشتهى باتجاه كمال قصي، هناك حيث تتراءى مدارج الدوال، وهنا حيث تضيء مسارب النحت الذكي.
“لوحة مزركشة
كمعاطف الرحل
في الصباح لباس
وفي الليل غطاء”.

(4)
“كوني بنت الصحراء،
أحمل في عُمقي ثقافة وتعامل
جمال المعنى،
الذي رضعته من ثدي قيم وثوابت أهلها”.
عزيزة يحضيه، هذه الغزيرة بتيهان القفار، وهذه المُدَجَّجة بمأنوس الواحات، أذهبت عَنيّ كُلّ ضِيْق اكتنف مساحات رؤيتي للصحراء، في رواء إقبالها دون سراب إدبارها، ثم طَوَّحَت بكُلِّي في شسوع الرمال.
من هنا قطعا،
أَقَرَّت جوارح قراءتي
بأن لا مَفَازَة عرفت أنا
قبل عزيزة،
ولا فَلاة اِنْقادَ لها تأويلي
بعد يحضيه !
وما أَلْقَى الكَلاَمَ قَبَلاً لسانها الشعري المصفى، الضليع في صحراء المجاز، المكتنز بتموجات الاستعارة، حيث ما من خطى تسابق ريح الهجير دون فراسة القصيدة. أو ليست هي، سليلة طانطان المنجبة، من آلت بخلوات الأمكنة نحو رسوخ الأزمنة، عبر “صحراء.. حناء.. زعفران” ؟!
“أنا عاشقة للمكان،
بما يحمله من معاني
التشبث والانخراط فيه”.

(5)
“يعتبر أول إصدار ورقي
لامرأة من منطقتي،
وتلك حقيقة أعتز بها،
كوني كنت رائدة قطار الطباعة والنشر لهن”.
بدوت على غير ما كنته، لمَّا بلغني بهاء رسائل مشفَّرة، من معابر أثير ديوانها: “صحراء.. حناء.. زعفران”، الذي قال عنه الشّعر: إنه بوارق الشّعر. كم هو بَادٍ على هيئته، وكم مفعول القصيد مبدوّ له. وها هي جوانح القول، ثم ها هي متاهات البلاغة، نصَّ الإبداع على مسارب كُلّ منهما، دون أن يصاب جَفْنُه بأي رَمْشُ !
“على خطاهم علق عابر سبيل
المتمردون متمردون
والبقايا تائهون
بين الصفافة وأشجار الطلح
متعبة مسالك المارين من هنا
أنا الصحراء… والصحراء لي”.
ها هو “بوح طانطان”، وقد احمرَّت أجفانُه لفرط الحنين إلى شعرية المكان. وتفتَّلت أهدابُه كما ماءٍ يسيل عذبا من جفون كثبان خضراء. هنا، ثمة شعرية يقطن هسيس غفواتها في عطور الخيم البدوية. إني أراها تسير راجفة الوصال، بين نفرة وامتثال، نحو فصاحة النقوش الصخرية.
أجل يا عزيزة:
كُلّ هذه الغَبْراء لك،
وجُلّ هذا التَّيْهَاء لنا.

(6)
“أنا لا أستسيغ مصطلح
“الأدب النسائي”.
بل أفضل عبارة:
الإنتاج الإبداعي بتوقيع نون النسوة”.
خالصة الوعي الأنثوي هي. أبدا لم يخالط قلبها المؤنَّث
ماء الشوائب الذي يسيل من قرون خَلَت، جارفا معه كلّ فداحة المنطق، الذي يرفع حتمية نحوه، ثم يعلي سلطة
إعرابه، لكي يغزل، ما شاء له هواه الفحولي، من وَشَائِح
للمذكَّر والمؤنَّث والمفرد والتأنيث والجمع !!
أكان مَحْض ادِّعَاء،
أن يُدثّر تفوقها في الإعلاء من شأن
نفائس وذخائر المرأة،
بلقب “نازك النساء” ؟!
كَلاَّ ! بل كان مَحْض اعتراف مؤكد بامرأة رائدة، عاهدت نصف مجتمعها، وكُلّ بشريتها، أن لا تشرك بعدالة قضاياه شيئا، أَيّ شيء. وظلت على دين الوحدانية في الجهر بما تجابهه المرأة من اضطهاد، ما تتعرض له من إقصاء، وما تخضع له من صنوف وأد.
“إني امرأة أمارس وطنيتي
بصدق وأمانة”.
حين بادرت إلى تأسيس “رابطة كاتبات المغرب”، فكرتها الرائدة التي وصفتها بأنها: “مشروع ثقافي رائد”، أعادني توثبها هذا، إلى تلك المقولة الشهيرة التي أطلقتها المفكرة الكبيرة فاطمة المرنيسي: “ليس غطاء الرأس هو الحجاب، إنما الصمت هو الحجاب الحقيقي”.
أجل يا فاطمة، وبلى يا عزيزة:
إن المرأة التي لا تعبر عن ذات نفسها،
ولا تتكلم بلسان الحال والمآل،
هي امرأة محجبة !!

(7)
“الوطن أولا”.
الأنثى دائما.
هذه المرأة الباسقة، ذات الثراء الفاحش في توازن الوعي، في علو المسار، وتلك الكاتبة المقدامة، التي هي، كما يقول لي يقيني، أجمل خلاصة للتفاعل الحي، العارم، بين شتى المكونات، بأية لغة، بأي مداد، يمكن التعبير عن عمق جِبِلَّتها الوضاحة، الوَضَاءَة، الأثيلة ؟
هم، كهنة السلطة الذكورية،
قاموا بتعتيم المرأة،
وهي، سيدة الإنصاف الجهير،
بادرت إلى تضويئها.
هم صوّروا الأنثى جسدا آثما،
شهوانيا، بدون زمام،
بينما هي أبرزتها يراعا رحيبا،
بلا أفق يحد أقاصي إبداعه.
المرأة، عندهم:
أغوت آدم لإرتكاب معصية
مغادرة أبدية الفراديس،
والأنثى عندها:
أغرت الوجود كي يسلس قياده لها،
وعبره تؤسس جنة أرضها !
والآن: هَلْ – يا ترى – يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ الحقوق المخولة لقاطنات نصف السماء، وَأولئك الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إلاّ تبخيس وجود ساكنات نصف الرجال ؟!
كَلاَّ، ثُمَّ كَلاَّ !
“إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ”.

(8)
“مدينة مسلوبة الحرية،
وأناس يعبثون بالحرية،
ومتسولة للرحمة،
يدها ممدودة للمجهول”.
وأعود، من جديد، أعود لأقول: يا لقليلي، كم هو ضئيل إزاء كثيرها، كم هو محتشد. ثُمَّ يا لباطنها الباذخ، حين يواجه إملاق ظاهري !
قُلْ يَا ياحبري،
قُلْ يَا يراعي، واجهر:
كيف يدَّعِي هذا البورتري، قدرته على الكتابة عن امرأة تعشق سياقة السيارات، تزاول الصيد البري، تحب ركوب الخيل، وتمارس لعبة كرة القدم…؟!
ما أنا متيقن منه،
أن يدي، التي كتبتها،
لَمْ تأْلُ جُهْدا
لِكَيْ تحْصُلَ عَلى نَتِيجَةٍ مُرْضِيَةٍ
وهي بين يدي
امرأة ليست ككُلّ النساء !

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق