اخبار الشعب/بثينة العيسى:
كدأبهِ ساراماغو، على الأقل في «العمى» و «كل الأسماء» و «انقطاعات الموت» يعمل على تشريح علاقتنا بالدولة الحديثة، المتغوّلة، الباردة، المادية، بأذرعها الأخطبوطية الأبدية، التي تسمى أيضًا؛ بيروقراطية.
حكاية صانع خزف تجاوز الستّين، يعيشُ مع ابنته وصهره، يخسر هويته الوحيدة التي يعرفها – هوية الخزّاف – عندما تفقد الخزفيات قيمتها السوقية بعد ظهور البلاستيك.
بقدر ما تبدو الرواية مثل رحلة لرجلٍ – يصرُّ النظام الرأسمالي على تحويله إلى فائض بشري – يحاول إعادة صياغة حياته، فهي أيضًا مشاغبة فلسفية لكهف أفلاطون، لحقيقة أننا مجرد أشخاص يحدقون في الظلال ويتوهمون المعرفة.
لا أحتاج إلى الاستفاضة حول أسلوب الكاتب في الكتابة؛ الفصول تكتب كصكوك متّصلة بالكاد تمنحك فرصة للتوقف، مرهِقة وممتعة معًا. الحوارات المسرودة المعجونة مع كل شيء آخر، والقدرة على التفلسف والتجريد والتأمل بأريحية يُحسد عليها.
هذه هي الرواية السادسة التي قرأتها لساراماغو، لكنني قررتُ أنها تجيء في المرتبة الثانية، بعد العمى، في تأثيرها، ربما أنني حلمتُ بشخصية الخزّاف ليلة أمس، واستيقظت قلقة عليه.