كتاب “المغرب ورهانات الإصلاح” يعالج كيفية إبراز “أبطال” من داخل الدولة لإنجاح أوراش الإصلاح

MOSTAFA CHAAB19 أبريل 2022130 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
كتاب “المغرب ورهانات الإصلاح” يعالج كيفية إبراز “أبطال” من داخل الدولة لإنجاح أوراش الإصلاح

 

 

 

 

 

 

 

اخبار الشعب/

 

إذا كان المغرب قد نجح على مدى عقدين من الزمن في مواجهة العديد من التحديات التقنية التي تتطلب حشد المهندسين والتكنوقراط المتخصصين في مختلف المجالات: الكهربة، الربط بشبكة المياه تشييد الطرق، تهيئة البنية التحتية للموانئ والمطارات…، فإنه قد واجهته صعوبات ترتبط غالبيتها بالتحديات التكيفية التي تطلبت تغييرات للسلوكات البشرية على نطاق أوسع، هذا على الرغم من الاستثمار الكبير للجهد والموارد في مجالات التربية الوطنية والخدمات الصحية وإصلاح الإدارة ومحاربة الفساد.

وهو ما قد يجعل الكثير منا متشككًا وربما فاقدا للأمل في إمكانية نجاح الموجة التالية من الإصلاحات، ومن هنا يطرح السؤال التالي: لماذا لم ننجح في التصدي للتحديات التي تتطلب تجاوز العقليات المتحجرة وإقناع الآلاف من الأشخاص بتغيير ممارساتهم من أجل تحقيق الأحسن؟ هل ربما لأننا لم نر أنه من الضروري إضافة المرتكزات التي أثبتت أهميتها ونجاعتها في البلدان التي نجحت في مثل هذه الإصلاحات، والتي تبنت إشاعة ثقافة التدبير العمومي ومأسسة ممارسة الريادة في قلب الوظيفة العمومية.

إن التأسيس لمفهوم التدبير العمومي يتطلب ثورة كوبرنيكية في ثقافة الإدارة، التي تتجلى في وضع أهداف كمية، وضبط مواعيد نهائية، والالتزام بتقييم دوري، وتقييم كمي للقيمة العمومية المحدثة، مما يسمح بتحديد عوامل زيادة الإنتاج العمومي.

علما أن خلق قيمة عمومية يبقى قابلا للقياس من قبل مؤسسات عمومية، وهو مفهوم تم تطويره من قبل الأستاذ مارك مور    Mark Moore، بجامعة هارفارد كينيدي، وله العديد من التأثيرات والتطبيقات العملية، التي يمكن اعتمادها وتداولها في المغرب.

 

وهذا ما يفرض اعتماد الجدارة والاستحقاق التي هي بدون شك من صميم النظام لانبثاق جيل جديد من “الأبطال” والمقاولين العموميين الذين ستتاح لهم فرص التألق في ممارسة مهامهم وإبراز إبداعاتهم فيها، مع منحهم إمكانية “المخاطرة” و”الحق في الخطأ”.

قد يبدو ما اقترحه، في نظر بعض كبار الموظفين الساميين المغاربة الذين تحدثت إليهم، نوعا من “اليوتوبيا” يكاد يكون من المستحيل تخيل تطبيقه بسبب الثقافة الحالية السائدة في الإدارة العمومية. لكن هذه الأمور تم العمل بها وأعطت أكلها بشكل ملموس في عدد من البلدان، بما في ذلك تلك القريبة منا، مثل إمارة دبي التي تمكنت خلال عقد من الزمن من الانتقال من الممارسة الإدارية البيروقراطية إلى ثقافة التدبير العمومي، من خلال إنشاء “نظام التدبير العمومي” الذي يستند إلى مبادئ الإدارة العامة الجديدة.

وهنا يحق طرح السؤال التالي: هل لأن هذا الإصلاح – وهو في رأيي شرط أساسي لباقي الإصلاحات الأخرى – صعب التحقيق، ويجب غض الطرف عنه؟ وما هو رهان هذا الإصلاح بالنسبة إلينا؟ سنحتاج حتماً لاجتياز هذا الإصلاح للحصول على فرصة لتنفيذ النموذج التنموي الجديد بنجاح، وأيضا لحشد همم مئات النساء الرجال النشطين وتحفيز حسهم الحقيقي بالمسؤولية وشغفهم من أجل التميز وحسن الأداء على المدى الطويل.

بالإضافة إلى هذا، كيف يمكننا إقناع الكفاءات الجديدة بالاشتغال في القطاع العام في سياق تراجع صورة الوظيفة العمومية كثيرًا؟ حاليا، يكاد يكون من المستحيل تصور انتقال الطاقات للعمل من القطاع الخاص إلى القطاع العام، بسبب الفوارق في الأجور والمخاطرة التي يشكلها هذا التغيير على مسارهم المهني وصعوبة العودة المحتملة إلى القطاع الخاص.

ولتجاوز هذه التحديات، يقترح كتاب “المغرب ورهانات الإصلاح” (النسخة العربية لكتاب “le Maroc à venir”)، إحداث ما يسمى آلية “الانتداب للخدمة العمومية”، التي ستكون بمثابة بوابة جذابة ومطمئنة للكفاءات العاملة والمتألقة في القطاع الخاص، والتي ترغب في خوض غمار التحدي على مستوى تجربة مهنية جديدة، مستحضرة هدف المساهمة في تحقيق المصلحة العامة. وبالتالي، فإن هذا “الانتداب” لفائدة الإدارة العمومية سيسمح للمقاولات الخاصة بإعارة مستخدميها الذين سيتطوعون للالتحاق بالوظيفة العمومية بشكل مؤقت، مع ضمان لهم أمرين أساسيين، أولهما تغطية الفارق المحتمل في الراتب الشهري، ثم ضمان لهم خلال خمس سنوات، عند الرغبة في ذلك، العودة للاشتغال بالقطاع الخاص.

كما يقترح الكاتب، الذي هو أيضا مؤسس Moroccan Leadership Institute (M.L.I) ضرورة تعزيز الخبرات التي تزخر بها الإدارة العمومية، لاسيما من خلال مأسسة التكوين المستمر على الريادة وإدارة التغيير لصالح كبار الموظفين والأطر العليا. هذه الكفاءات التي في الغالب تكون بمثابة خبرات في مجالات اشتغالها، إلا أنها أحيانا تجد نفسها عاجزة عن إزالة الكوابح غير المعقولة الناتجة عن بعض الولاءات الخفية، أو أحيانا عاجزة عن التغلب على بعض الممارسات الموروثة من ثقافة البيروقراطية التي تعود إلى عهد الاستعمار التي عفا عليها الزمن.

إن التكوين الريادي لأي موظف أو خبير مهني يعني تزويده بأدوات للتغلب على بعض الصعوبات للتصدي لمختلف أشكال المقاومة الواعية واللاواعية، وتجاوز الكثير من العراقيل التي تحول دون تحقيق نجاح الإصلاحات، وبالتالي ينبغي الاستجابة العاجلة للحاجة للتكوين الريادي من خلال نشر برامج تكوينية في مجالات الريادة والحكامة، والتي يمكن تطويرها وتوجيهها للأطر المغربية العليا التي تشتغل مع الحكومات والقطاعات الوزارية ومع المؤسسات العمومية والوكالات الوطنية.

ويمكن أن نلاحظ أنه منذ رحيل عبد العزيز مزيان بلفقيه، تباطأت بشكل كبير دينامية تعيين كبار موظفي الدولة الجدد لتسيير الأقسام والمصالح في مختلف القطاعات الوزارية وفي المؤسسات العمومية، لذلك نعتقد أن هناك الكثير مما سنكسبه نتيجة مأسسة المهمة المتعلقة بـ”انتقاء الأدمغة” لاختيار الأفضل من بيننا للمساهمة في الإصلاح من موقع سام وفي قمة هرم الدولة، كوزراء، أو مستشارين، أو خبراء… وهي المهمة التي يمكن نقلها إلى “مجلس الأمة” ليتكلف بها، هذا إلى جانب مهام أخرى لضمان تعزيز كفاءات كبار موظفي الوظيفة العمومية بشكل دائم، عن طريق تحديث كل سنة لـ”مجموعة من المواهب”، وهي لائحة تضم إمكانيات عالية تلبي مجموعة من المعايير المحددة مسبقًا. وسيكون المجلس مسؤولاً عن اختيارهم وإعدادهم لتحمل مسؤوليات مستقبلية، من خلال الاستثمار في مهاراتهم عبر تكوينهم العملي في المغرب وخارجه.

كل هذه المقترحات تشكل، بدون شك، ثورة حقيقية في ثقافة تدبير الموارد البشرية على مستوى الدولة، وهي مقترحات قد يكون من الصعب تنفيذها، وسيتطلب تحقيقها عقدًا من الزمن على الأقل. فتغيير العقليات المتجذرة، والتغلب على قوى المقاومة المخيفة، واجتثاث العادات المترسخة، وقبول التضحيات الضرورية، وتحقيق هذا التطور في كيان الدولة… لا يمكن أن ينجح إلا بالشروع فيه ودعمه على أعلى مستوى بمناسبة إطلاق النموذج التنموي الجديد.

 

ما هو مجلس الأمة؟

مجلس الأمة هيئة اقترحها صاحب كتاب “المغرب ورهانات الإصلاح”، كفضاء “للتبادل البنّاء والنبيل”، شبيه بما اعتمد في اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، وهو مجلس من شأنه أن يضمن التقارب المستمر بين توجهات المؤسسة الملكية وتطلعات الشعب المغربي، وكذلك مأسسة إدارة وتوجيه الإصلاحات التي تم إطلاقها.

وسيكون مجلس الأمة هيئة مختلطة، يضم 30 عضوا، نصفهم يمثلون المؤسسة الملكية، والنصف الآخر من ممثلي الشعب (الحكماء وكبار مسؤولي الدولة السابقين يختارهم البرلمان على أساس استقلاليتهم وحكمتهم، للتمكن من الحديث بصدق وبحرية).

ويضطلع مجلس الأمة، الذي سيرأسه الملك ويعقد اجتماعات مغلقة مرة في السنة،

 

 

بثلاث وظائف دائمة: 1. التبادل والتواصل سنويًا بشأن وضعية الأمة ومستوى تقدم الإصلاحات. 2. تقييم جودة إعداد الاستراتيجيات الوطنية قبل الموافقة عليها، ومن ثم متابعة تنفيذها. 3. تعزيز قدرات كبار موظفي الوظيفة العمومية، من خلال تشكيل “مجموعة” من الفاعلين القادرين على قيادة التغيير بريادة فعالة.

والجدير بالذكر أن محمد علمي برادة كاتب وعضو مؤسس عدد من الجمعيات، وأستاذ جامعي سابق، ومؤسس المعهد المغربي للريادة Moroccan Leadership Institute(M.L.I)، تكلف بملف تشغيل الشباب بمصالح رئاسة الحكومة خلال الفترة ما بين 2017 و2020.

كما توج علمي برادة مساره الأكاديمي في كل من جامعا ت   l’ESSEC بفرنسا وهارفرد بالولايات المتحدة الأمريكية في مجال الريادة والحكامة العمومية، ومدرسة هيرتي للحكامة بألمانيا في مجال التواصل السياسي.

 

 

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق