اخبار الشعب/مراد هاني
الإنسان بطبيعته يصعب عليه العيش وحيدا، لذا فالحكمة الإلهية هي أن جعل الناس شعوبا و قبائل للتعارف و التعايش في مجتمعات تتقاسم مواطن تضم خصوصيات مشتركة تاريخية، لغوية وعرقية مكونة بذلك دولا. مرت العصور و تطورت العهود و الاختراعات فسار العالم بشساعته و امتداد بقاعه قرية صغيرة تتقاسم مختلف الثقافات و مطلعة على سائر المعتقدات و لعل ما سرع هذه الوثيرة هي وسائل التواصل الاجتماعي و الربط الشبكي للأنترنيت. هذه الوسائل التي تعتبر نعمة إذ تقرب الناس و تفتح الشعوب على بعضها و تتقاسم فيها التجارب و تغنى فيها الافكار، و ظهرت قمة أهميتها في ظل الأزمة الصحية التي يجتازها العالم . فصارت منصات التواصل كمدرج جامعي و كفصول المدارس تعطى فيها الدروس الافتراضية و تقام فيها ندوت علمية، ثقافية، و سياسية و برامج توعوية ودروس دينية. و تختلف هذه المنصة من بلد لآخر، فإذا ما كان بلدنا يستعمل بقوة الفضاء الأزرق، ففي دول أخرى تغرد في منصات مختلفة و لكل شعب وسيلته المفضلة و اختلفت الطرق و الوسائل المستعملة و لكن الغاية واحدة طلب المعلومة و تقاسمها، إلا أنه عند اختراع هذه الوسائل قد يكون المراد منها منها تقريب المعلومة و التقارب بين الناس و نشر الأفكار لتعم الفائدة و لتسرع وثيرة التعلم بالاستفادة من تجارب الاخرين، هذا إذا كان الهدف نبيلا و الشعب محصنا بالوعي و التعليم حتى يتحقق ذلك. و قد يتحول ذلك إلى نقمة إذا ما استعمل في زرع المغالطات و الفتن و نشر الإشاعات و إعطاء حرية التعبير لمن هو غير مهيئ لذلك فيصير كمثل المجنون إذا أعطيه سلاحا رشاشا فلا يسلم منه أحد. العديد من الناس من يتاورى وراء حجاب التواصل الاجتماعي فيثير الفتن و يخلق جدالات بنية خبيثة مبيتة و من الاخرين من يقذف أعراض الأشخاص بسداجة و بدون دليل أو يغرر به لذلك، و أما عن النضال الافتراضي فحدث و لا حرج إذ أن شريحة كبيرة أصبحت تتخد من هذه الوسائل منصات للنضال و تعتبر ذلك كاف لتغيير الواقع، و إذا تطلب النضال الخروج للميدان و الدفاع عن القضايا في الساحة و المساهمة المادية لن تجد إلا قلة تعد بأصابع اليد. و كم من واحد يحسب أن تدوينته يقام لها و يقعد و هو في الحقيقة يتوهم ذلك. و لكن الخطير في الأمر هو عندما يلتجأ أشباه الصحافة و السياسيين لمواقع التواصل لتمرير أجندات أو لترويض الرأي العام فذلك خطر بليغ خصوصا أننا شعب عاطفي و ننساق وراء كل ريح كيفما كانت قوة نسيمها. فمواقع التواصل الاجتماعي أصبحت معيارا يقاس به وعي الشعوب و نوعية القضايا المثارة فيه تحدد مستوى الفكر الاجتماعي، و كم فرحنا و نحن نتابع مختلف الندوات العلمية و الثقافية و السياسية منذ بداية الحجر الصحي، و كم زاد حماسنا و أملنا لما الجميع ناقش و استنكر مشروع قانون 22.20 فتوسمنا خيرا و أملا و غذا مشرقا تناقش فيه قضايا المجتمع و الشأن العام و المغرب الذي نريد. و هنا نحن اليوم نأبى إلا ان نعود إلى نقطة البداية لنناقش أمورا تافهة تحجب عنا أولويات أهم، فهاهو مجتمعنا منقسم فيمن يدافع عن الحرية الشخصية و من يدود عن الدين من أجل تصريحات ممثل سكير لا يعي دور القدوة التي يحظى بها الممثل، و آخرون يجادلون في مكانة رجال الدين من خلال كلام ناب صدر عن مهرج يدعي المشيخة و صنع شهرته بفضلنا نحن رواد المواقع التواصلية، و البعض الاخر يطالب باعتقال معلمة فلسفة لم تتعلم فلسفة الكلام و التواصل. و لكن ما إن ترى مثقفي البلاد و سياسييه و نخبه تجادل في نفس المواضيع التافهة تاركة ورش التفكير في أفق المغرب الجديد الذي نحلمه به بمشاريعه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المنتظرة إلا و أقم خيمة العزاء على صحوة مجتمعية سيبقى قدرها طي الأحلام.