التأثير النفسي لجائحة كورونا على الأطفال

اخبار الشعب3 يونيو 2020411 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
التأثير النفسي لجائحة كورونا على الأطفال

اخبار الشعب/بقلم: د/عبدالرحمان التنوري- كلميم

فرض انتشار فيروس كورونا على المجتمعات وضعا خاصا وظروف حياتية مغايرة لما عهدته من قبل . وقد أدت سرعة انتقاله وانتشاره بين الناس إلى اضطرار حكومات الدول تبني و فرض الحجر الصحي على مواطنيها تجنبا للإصابة بعدوى الفيروس وتضييقا وتقليلا من فرص انتقاله أو الإصابة به .وكان بلدنا المغرب سباقا إلى اتخاذ التدابير الوقائية ضد انتشاره. و من بين التدابير التي نهجتها بلادنا ومختلف بلدان العالم توقيف التعليم والتدريس بمختلف مستوياته و إغلاق المؤسسات التعليمية وتعويضه بالتعليم عن بعد المناسب والملائم للحجر الصحي الذي يفرض على المواطنين المكوث في منازلهم وعدم مغادرتها إلا لقضاء الضرورات الملحة حفاظا على سلامتهم وعافيتهم . و شمل الحجر الصحي أيضا فئة الأطفال الذين ألفتهم المدارس التعليمية وتعودوا الذهاب إليها يوميا كما ألفتهم الأزقة والحدائق والمنتزهات التي يقضون فيها من الأوقات لعبا ومرحا بعد الانتهاء من واجبهم المدرسي. و إن كان الحجر الصحي والمكوث في المنازل قد فرض على الأسر بجميع أفرادها كبيرا وصغيرا ذكورا وإناثا التكيف على نمط جديد للحياة أساسه بقاء جميع أفراد الأسرة في البيت طيلة اليوم ،فإن آثاره وانعكاساته النفسية والعاطفية بدأت تطفوا وتعيد تشكيل علاقة الأسرة الواحدة فيما بين أفرادها . ويهمنا في هذا المضمار رصد الملامح النفسية والآثار العميقة لجائحة كورونا على نفسية الأطفال وعواطفهم . وقد يكون من الحقائق الموضوعية القول إن مكوث الأطفال وفرض حجر صحي عليهم إلى جانب الكبار وبقاءهم في منازل أسرهم لمدة تزيد عن شهرين ترك وبدون شك آثارا نفسية و عواطف وإحساسات قد تكون قوية وقد تكون ضعيفة بحسب الظروف المختلفة بين الأسر وبحسب الإمكانيات والفضاءات المنزلية وبحسب أسلوب التعامل معهم ودرجة وعي وفهم الوالدين لأساليب تربية أبنائهم في ظل هذه الجائحة التي لم يألفوها من قبل، والتي أجبرتهم على ملازمة بيوتهم . ربما في بداية الجائحة قد يتقبل الأطفال ويتفهمون فكرة عدم مغادرة المنزل لفترة محدودة جدا كيومين أو ثلاثة أو أسبوع على أكثر تقدير بمساعدة أسرهم على ذلك ،أما حينما يستمر الحجر الصحي ويتوالى أسبوعا بعد أسبوع وتطول مدته فلاشك أن الوضع الجديد قد ترك بصماته على نفسية الأطفال من عدة جهات . وأول تغيير لمسوه بعد المنع من الخروج هو متابعة دروسهم المدرسية والتعليمية عن بعد.وقد يكون لهذا الحدث الجديد وقع مختلف في نسبة ودرجة ضغوطاته عليهم .فليس كل الأطفال مهيئين للتلقي عن بعد لاختلاف قدرة كل أسرة في توفير إلإمكانيات الحديثة للتواصل المستمر وبدون انقطاع، وليس كل بيت يملك الحاسوب والأنترنيت .وقد يزداد الأمر ألما على نفسية الطفل إذا وجد وتربى بين أحضان والديه اللذين لا يقدمان له أية مساعدة أو تسهيلات أو إيضاحات لجهلهما بالأساليب الناجعة لتربية وتعليم الأطفال وفي كل الظروف مما قد يتسبب في تأخرهم التعليمي والأكاديمي ، مع العلم أن ذهاب الطفل للمدرسة قبل فترة الحجر ربما وجد فيه مساعدات وإيضاحات علمية مسهلة انطلاقا من الاحتكاك المباشر مع معلمه و أصدقائه ما قد لا يجده أو يعجز عن تقديمه الوالدين في حالة جهلهما أو لامبالاتهما بأطفالهما . وقد يجد الأطفال ضغوطات نفسية أخرى لا تقل قوة في تأثيرها عليهم عما ذكر ، فالحجر الصحي الذي ينص على عدم الخروج من البيت اصطدم بطبيعة الأطفال وبراءتهم وحبهم للعب في فضاءات لا تقيد حركتهم مع أصدقائهم .وتزداد مرارة معاناتهم إذا كانت الأمكنة والمنازل ضيقة لا تتسع لإشباع غريزة وفطرة اللعب والمرح لديهم ولو بشكل مقيد ، فكيف ستكون حالتهم النفسية إذا أضيف إلى هذا كله قسوة المعاملة التي يتلقونها أو يتلقاها بعضهم من آباء وأمهات يجهلون حقوق هذه النفوس البريئة في حسن التربية وحسن المعاملة وحسن المصاحبة وحسن التوجيه وفي كل الظروف وفي كل الأحوال . وقد يضطر الأطفال في مثل هذه الظروف الخانقة والمؤثرة على نفوسهم إلى الاستسلام للعجز والكسل أو تضييع أوقاتهم أمام شاشات التلفزة أو الأنترنيت أو قنوات أخرى تسلبهم حريتهم و عقولهم وبراءتهم نظرا لجهلهم بمخاطر هذه الأجهزة من جهة و أمية أو جهل الوالدين بتقنيات العصر ومخاطرها وتفريطهم في تنبيه أوتحذير أواختيار ما يصلح منها لأبنائهم.
وقد يتسبب كل ذلك في تبني الأطفال لأفكار مغلوطة ومكذوبة تتناقلها وبسرعة وسائل الاتصال الحديثة .
و من الجدير بالذكر في هذا الشأن أنه كان بإمكان كل الأسر وكل الآباء والأمهات تجنيب أطفالهم كل هذه الضغوطات والآلام المؤثرة على نفوسهم لو أحسنوا معاملتهم واتبعوا برنامجا منزليا متنوع يتضمن فقرات مفيدة تفيد كل أفراد الأسرة صغيرا وكبيرا وتجنب الأطفال أي ضغط نفسي ، كما أن وضع برنامج شامل لكل أوقات اليوم واتباعه، سيطرد الملل والروتين من نفوس العائلة وخصوصا الأطفال منهم و يضفي الجدية والجاذبية والمرونة والجمالية على الحياة ولو في فترة الحجر الصحي المنزلي . إن النفس البشرية يصيبها الملل إذا استمرت على نمط واحد من العمل دون تنويع أو تغيير أو مرح أو استراحة …. فما أجمل من وضع برنامج للأسرة في ظل الحجر الصحي تجمع فقراته بين وقت للدراسة ووقت للحوار ووقت للرياضة ووقت للعبادة ووقت لمكالمات هاتفية مع الأرحام والأحباب والأصدقاء ووقت للتعاون والمساعدة في الأعمال المنزلية ووقت ل……ما أجمل ذلك لأنه يضفي على حياة الأسرة حيوية وجمالا واطمئنانا و يملؤ قلوب أفرادها جميعا سرورا وعطفا وحنانا على بعضهم البعض إلى أن يأذن الله تعالى بنهاية ورفع الحجر الصحي المنزلي .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق