أسبانيا .. عندما تعود الدولة إلى رشدها في إدارة العلاقات مع المغرب

MOSTAFA CHAAB21 أبريل 202388 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
أسبانيا .. عندما تعود الدولة إلى رشدها في إدارة العلاقات مع المغرب

 

اخبار الشعب/متابعة محمد الشيوي:

 

ليس من المستغرب أبدا هذا الحرص الرسمي الإسباني على الالتزام بعلاقات جيدة وطيبة مع المغرب. التصريحات الصادرة اليوم عن رئيس الحكومة بيدرو سانشيز ووزير خارجيته خوسي مانويل ألباريس كلها تؤكد بالملموس وبشكل قاطع أن إسبانيا ليست مستعدة أبدا للتفريط في علاقاتها الجديدة مع المغرب، منذ أن عادت إلى رشدها وأقرت بأهمية مقترح الحكم الذاتي في معالجة ملف الصحراء المغربية وتوقفت عن نهج الاستفزاز المداهن للانفصاليين.

 

وفي الحقيقة لا بد أن نؤكد في المغرب على ضرورة تحية الجانب الإسباني وشكره وتثمين مواقفه بهذا الخصوص بالنظر إلى كل الضغوطات التي مارسها ويمارسها الكابرانات منذ فترة من أجل إعادة الحكومة الإسبانية إلى موقع الاستفزاز والمواجهة مع المغرب.

 

لم ينجح الكابرانات على الرغم من رشاوى الغاز وإغراءات الصفقات التجارية التي يعرضونها على المقاولين الإسبان، وتلك التي تم إنهاء عقودها من أجل ثني مدريد عن مواقفها. لقد كان الكابرانات يعتقدون أن بضعة ملايين من الأورو التي سيحرمون منها المقاولات الإسبانية كفيلة بدفع القرار السياسي في مدريد مرة أخرى نحو مداهنة مواقفهم ودعم الانفصال خوفا من الضغوطات الجزائرية المزعومة.

 

ما لا يعرفه الكابرانات أن الواردات المغربية من إسبانيا تفوق 8 مليارات أورو سنويا، بينما تصل الصادرات المغربية إلى 7 مليارات أورو. وإسبانيا ليست مستعدة أبدا للتضحية بهذا الزخم التجاري والاقتصادي الهائل والمتنامي مع المغرب.

 

وقد يتوهم الجزائريون أن واردات العصائر والمصبرات وبعض الأدوات والمواد المصنعة التي يستوردونها من إسبانيا هي التي ستغني الاقتصاد الإسباني وتثري المقاولات والشركات الإسبانية المصدرة. إسبانيا بلد صناعي يصدر مليارات الدولارات سنويا لكل أنحاء العالم، ويعتبر أكبر بلد سياحي في العالم، كما أن منتجاته الفلاحية التي تغزو الأسواق الأوربية لا يمكن تخيل حجمها، هذا ناهيك عن قطاع الخدمات المتطور جدا في هذا البلد. ما الذي يمكن أن تحدثه المقاطعة التجارية الجزائرية في اقتصاد إسبانيا؟ الجواب دون تردد: لا شيء. إن أرقام المبادلات التجارية بين البلدين هزيلة، فمجموعها، أي من الصادرات والواردات في الاتجاهين معا لا يتجاوز 6 مليارات أورو جلّها من المواد الطاقية: الغاز والبترول.

 

وعلاوة على ذلك فإذا خُيرت إسبانيا بين علاقاتها التجارية مع المغرب وعلاقاتها التجارية مع الجزائر، فستختار دون تردد الحفاظ على علاقاتها التجارية مع المغرب لأسباب عديدة. أولا هذه العلاقات ليست مجرد صادرات وواردات، بل هي أيضا استثمارات ضخمة يضخها المقاولون والمستثمرون الإسبان في الاقتصاد الوطني، وخصوصا في مجالات الصناعة والسياحة والقطاع البنكي. كما أن هذه العلاقات تنطوي على بعد آخر لا يقل أهمية بالنسبة لإسبانيا، إنه ذلك البعد المرتبط بالعبور من وإلى إسبانيا. فحركية السياح المغاربة والمسافرين الوافدين عليه القادمين من الدول الأوربية لا تكاد تنقطع طوال السنة، كما أن فترة العبور الصيفي وحدها تمثل بالنسبة لاقتصاد السياحة والخدمات الإسباني وفرة لا يمكن التفريط فيها.

 

بعبارة أخرى العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المغرب وإسبانيا ممتدة وشاملة وليست خطية ومحدودة. لذلك من المفيد لمدريد طبعا أن تواصل خطها السياسي الجديد المحافظ على احترام كامل للمغرب ولمقدساته ووحدته الترابية، والالتزام بما تم الاتفاق عليه عندما بعث رئيس الحكومة الإسبانية رسالة رسمية إلى الملك محمد السادس يتعهد فيها بفتح صفحة جديدة والالتزام بقواعد التعامل الجديدة بين البلدين، وعلى رأسها التنسيق الدائم وعدم التصرف بشكل أحادي في القضايا المرتبطة بسيادة البلدين إضافة إلى دعم مشروع الحكم الذاتي في الصحراء باعتباره الحل السياسي الوحيد الممكن لهذا الملف.

 

ولذلك من المتوقع أن تتعزز العلاقات بين المغرب وإسبانيا في المستقبل القريب والمتوسط بعد أن دخل البلدان في رهانات مشتركة على رأسها رهان استضافة كأس العالم 2030 بمشاركة البرتغال أيضا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق