الزلزال .. حتى لا يكون كارثة !!

Anass Elwardi22 فبراير 2023172 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
الزلزال .. حتى لا يكون كارثة !!

أخبار الشعب .. الدكتور المهندس نصر حسين

صدر تقرير عن هيئة دولية اسمها ” تحالف تطوير المساعدة ” مقرها مدينة آخن الالمانية، و الهيئة تضم عدة منظمات متخصصة في اعمال الاغاثة و الانقاذ اثناء الكوارث الطبيعية. و قد قام معدو التقرير بترتيب 193 دولة حول العالم، وفقا لاحتمالية تعرض كل دولة للكوارث الطبيعية، ووفقا لقدرة و امكانيات كل دولة على مواجهة هذه الكوارث.
و على المستوى العربي، جاءت مصر في المرتبة الثالثة، بعد الصومال و اليمن، و هذا يعني ان مصر معرضة بشكل عام للمخاطر الطبيعية مثل الزلازل و موجات المد البحري (تسونامي) و الفيضانات الساحلية و الاعاصير و الجفاف و ارتفاع مستوي سطح البحر نتيجة للتغيرات المناخية، كما يعني احتلال مصر للمرتبة الثالثة عربيا في هذا التصنيف ضعف قدرات الدولة على مواجهة مثل هذه الكوارث على المدي القصير و المتوسط.

و الحديث عما وقع في تركيا، في كهرمان مرعش و هاتاي، يستلزم القاء الضوء اولا على علم الزلازل بشكل عام، و هو علم متعدد الاختصاصات و الروافد ، يتعلق بالجيولوجي الذي يدرس طبقات الارض، و بالفيزيائي الذي يدرس انعكاسات الامواج الزلزالية و تأثرها بخصائص المواد التي تخترقها، و بمهندس التربه و مهندس الانشاءات، و مهندس المواد و غيرها اختصاصات كثيرة جدا.
كما ان الزلازل بطبعها ما زالت تعتبر حتى هذه اللحظة، من الظواهر التي لم يستطع الانسان فهمها بشكل كامل و دقيق، ناهيك عن التنبؤ بها و تحديد اماكن حدوثها و تقدير شدتها. فالظاهرة الزلزالية تحدث في فترة زمنية قصيرة جدا، و لا تتعدى ابدا بضع ثوان، و هي مدة غير كافية لتمام فهمها و دراسة تاثيراتها الانشائية، و لذلك نجد ان مواصفات البناء المقاوم للزلازل في الدول المعرضة لمثل هذه الاخطار، تخضع دائما للتعديل و التطوير و بخاصة بعد كل زلزال قوي يضرب اي دولة من دول العالم.

و لفهم طبيعة الزلازل و الاثار المترتبة عليها، يمدنا علماء الجيولوجيا ببعض الحقائق التي تتعلق بالقشرة الخارجية للارض او الليثوسفير، و التي تمتد بعض اجزائها حتي عمق 200 كم تحت سطح الارض. و تتكون الليثوسفير من قطع متجاورة تسمي بالصفائح التكتونية، تغطي كل القشرة الارضية بما فيها قاع البحار و المحيطات. و نتيجة للحركة الدائمة لهذة القطع العملاقة، فان الصخور الموجودة عند مناطق التقائها – و التي يطلق عليها احزمة الزلازل – تتعرض دائما لقوي ضغط او شد او احتكاك على بعضها البعض، و تتراكم هذه الاجهادات على مدار عشرات السنين، و عندما تنهار الصخور المجاورة لاحد الاحزمة في لحظة ما نتيجة لهذه الاجهادات الرهيبة، تتحرر فجأة كمية هائلة من الطاقة المدمره، ينتج عنها موجات تتحرك في كل اتجاه مثلما ينبعث الضوء من مصباح منير، و تشق بعض الموجات الزلزالية طريقها الي سطح الارض، حيث تتولد عند نقط التقائها مع السطح نوعية اخري من الموجات اشد فتكا و تدميرا من موجات الاعماق.
و عندما يبدا احد المنشآت في استقبال اولى موجات الزلزال، فانه يستقبل موجات الاعماق اولا نظرا لسرعتها الكبيرة، و هي موجات قليلة الخطر غالبا، ثم بعد ذلك تبدأ موجات السطح الاقل سرعة في الوصول الي المبنى، فتتسبب في اهتزازات افقية عنيفة للأساسات، تنتج عنها اجهادات اضافية في الاعمدة و الكمرات، لا يقدر عليها المنشأ الا اذا كان قد صمم و نفذ بناءا على اشتراطات و قواعد هندسية صارمة، لا تعرف محاباة و لا محسوبية و لا واسطة.

لذلك فإن وضع اي خطة لمواجهة آخطار الزلازل – مثلها مثل اي كارثة طبيعية اخرى – لابد ان يتضمن اجراءات مفصلة لثلاثة مراحل اساسية و هي :
– مرحلة ما قبل حدوث الزلزال
– مرحلة حدوث الزلزال
– مرحلة ما بعد حدوث الزلزال

فمرحلة ما قبل الزلزال تشمل توعية الناس، على اختلاف تعليمهم و مستواهم الاجتماعي و ثقافتهم، بآثار و مخاطر الزلازل، و كيف يمكنهم التصرف عند حدوث هزات ارضية، لكي يحافظوا قدر المستطاع علي سلامتهم و سلامة اسرهم. و تعد هذه الثقافة المجتمعية احدي الطرق الفعالة لمواجهة الكوارث و الحد من آثارها. كما ياتي في هذه المرحلة انشاء هيئات و مؤسسات رسمية تابعة للدولة منوط بها ادارة الكوارث على غرار الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ في الولايات المتحدة الامريكية.
و يأتي في هذه المرحلة ايضا وضع مواصفات فنية لبناء المباني المقاومة للزلازل، ووضع قوانين و آليات للمراقبة الفنية الصارمة للمباني في طور الانشاء او المباني التي يتمم ترميمها و تقويتها.

و لمواجهة اخطار مرحلة حدوث الزلزال، تحتاج الدوله الي جهاز وقاية مدنية مدرب جيدا، و يمتلك التجهيزات الفنية التي تمكنه من اداء عمله وقت الكوارث. كما تحتاج الى مستشفيات ذات طاقة استيعابية عالية، و اطقم طبية مؤهله و مدربة.

و في مرحلة ما بعد الزلزال، تحتاج الدولة الي خطة متكاملة لضمان عمل الاماكن الحساسة وقت الكارثة، مثل اماكن صنع القرار، و محطات الكهرباء و محطات المياه، و اقسام الشرطة و المستشفيات الي اخره. و تحتاج ايضا الى خطة محددة و معدات هندسية و اطقم عمال لاستئناف الحركة بأسرع وقت ممكن علي المحاور الطرقية التي تأثرت بالزلزال و على السكك الحديدية و الموانئ و المطارات، لضمان احكام ربط الاماكن التي تضررت ببقية انحاء البلاد.

و اذا تساءلنا، اين نحن في مصر من هذه الاستعدادات و الترتيبات، فاعتقد ان الاجابة قد تكون صادمة.
فمدينة كبيرة مثل الاسكندرية مثلا، و التي تعد العاصمة الثانية لمصر – يعلم الجميع مدى هشاشة عدد كبير جدا من العمارات المخالفة لاشتراطات البناء، و التي تخطت الارتفاعات المقررة لها في رخصة البناء، مما جعلها في وضعية انشائية حرجة، تكفي بالكاد لتمنعها من الانهيار، لكنها لا تكفي لضمان الصمود امام اجهادات اضافية عنيفة و قوية مثل اجهادات الزلازل. و يكفي ان ترى تلك البنايات التي تقف مثل الشمعة المغروسة في تورتة عيد الميلاد، بقاعدة صغيرة جدا و ارتفاع يشق عنان السماء، و لا ينقصها الا نفخة صغيرة لكي تسقط على رؤوس اصحابها.

و عندما تحركت الدولة لمواجهة الظاهرة، كانت حركتها في الاتجاه الخطأ، فقد فرض احد المحافظين الذين تعاقبوا على مدينة الاسكندرية قانونا للتصالح مع اصحاب العمارات المخالفة، يدفع بمقتضاه مالك العقار المخالف غرامة مالية للمحافظة، دون ان تفرض عليه تقوية و تدعيم عقاره الغير مطابق لقوانين البناء، و دون اي مراعاة لسلامة المواطنين و الحفاظ على ارواحهم.

اخيرا، ادعو الله ان يوفقنا لمسئولين يتحملون امانة مناصبهم، و يدركون – قبل فوات الاوان – ان ارواح الشعب و سلامته هي الاولوية الاولى التي يجب عليهم العمل لأجلها، بعيدا عن مسح الجوخ و الشو الاعلامي و السعي الرخيص لمنصب او سلطة.
ولنتعظ جميعا بما حدث في تركيا، التي سقط فيها ما يزيد عن اربعين الف قتيل في زلزالي كهرمان مرعش و هاتاي، و تهدمت آلاف العمارات، بالرغم من ان فيها كودا للبنايات المقاومة للزلازل و بالرغم من ان بها وكالة رسمية اسمها وكالة الاستجابة للكوارث.

الدروس التي تتعلمها البشرية عن الزلازل هي دروس معمدة بدماء الضحايا و حطام المدن، دروس نكاد نسمع في خلفيتها انين الجرحي و بكاء المشردين و المكلومين، و الفطن من يعي الدرس مبكرا و يحاول جاهدا بكل ما اوتى من قوة ان يتجنب الآلام التي تحملها الآخرين.
اللهم جنب اوطاننا كل شر و احفظها من كل سوء.لتواصل مع الكاتب

[email protected]

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق