مراكش .. دور الخط المغربي الصحراوي وأهميته في المجال الوحدوي المغربي

Anass Elwardi10 نوفمبر 2022173 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
مراكش .. دور الخط المغربي الصحراوي وأهميته في المجال الوحدوي المغربي

أخبار الشعب .. مداخلة/ الدكتور محمد البندوري

مداخلة للدكتور محمد البندوري تم تخصيصها لدور الخط المغربي الصحراوي وأهميته في المجال الوحدوي المغربي بمعلمة السعديين التاريخية. وذلك بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المجيدة، وفي نطاق مهرجان مراكش للفنون.

  يعتبر الخط المغربي الصحراوي واحدا من بين الخطوط المغربية التي تعايشت فيما بينها وشكلت وحدة مغربية شاملة. بالنظر إلى ما تختزنه جميعها من ثقافة مشتركة وأسس فنية وروابط اجتماعية وثقافية موحدة، وهو ما ينم عن الروابط العميقة بين كل المكونات المغربية في كل ربوع المملكة على مر التاريخ المغربي المجيد، نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر، التواصل العلمي ونظام الإجازات، دليل على التداخل العلمي بين كل مكونات الشعب المغربي من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب في ظل الوحدة الثقافية والروحية والاجتماعية والوطنية بالمغرب. ودليل على التلاقح بين علماء الصحراء وعلماء باقي مناطق المغرب، مما يؤكد قطعا معاني الوحدة تلك الوحدة.  وكل هذا مدون بالخط المغربي الصحراوي والأنواع الخطية المغربية الأخرى.

فكان لكل ذلك تأثير واسع على كل المناحي التي التصقت بالمجال الحضاري المغربي برمته. إذ عمل الأدباء والفقهاء والشعراء والفنانون والخطاطون المغاربة على إرساء دعائم العمل الوحدوي منذ القديم في كل مناطق المغرب عبر أنواع الخط المغربي ومنها الخط المغربي الصحراوي، الذي تتسم أشكاله وصوره بخصائص وجدانية وروحية وجمالية، وتشع حروفه بأنوار العلم والمعرفة، ما يضفي عليه صفة ثقافية، وصبغة حضارية مغربية صرفة، طيلة مسيرته التاريخية المغربية المجيدة. وهو بذلك يكون ذا جذور متينة تثبت قوتها في عمق التاريخ المغربي العريق.

وإن تفاعل الخط المغربي الصحراوي مع التراث المغربي عامة يمنحه أهمية تاريخية، وأهمية وحدوية، ولاشك أن أعيان الصحراء المغربية وكل الفئات المثقفة قد وظفوا مختلف العناصر التراثية المغربية في إبداعاتهم الخطية بجمالياتها وفنيتها المتنوعة، وكذلك بقيمتها الحضارية، حتى أضحى مجد الحرف المغربي الصحراوي تعبيرا عن العبقرية المغربية الصحراوية الفذة التي سعت من خلال ابتكاراتها الأدبية والفنية، ومن خلال مراسلاتها المتنوعة اقتحام مجال الجمال والتجويد والتطور غير المحدود في نطاقه المغربي الشمولي، وفي نطاق ما يحتوي عليه هذا الخط من عمق دلالي وبلاغي، وفي نطاق تفاعله وانسجامه مع كل المجالات الثقافية المغربية، ومع مختلف المضامين الروحية المرتبطة بالقرآن الكريم والقيم الإسلامية الراقية والثوابت الوطنية المغربية، مما تحلى به في كل مواطن الوحدة التي ترسخت في الذاكرة المغربية الصحراوية، وما تجذّر من قيم البيعة الشريفة في أبناء الصحراء المغربية.

ويشكل هذا الاهتمام منذ القديم، وفي العهود العلوية الشريفة دلالة على التفاعل القوي بين كل مكونات الثقافة المغربية. فكان الحرص على مختلف الخاصيات الجمالية المغربية المتنوعة، وتم الاهتمام بالخطاطين والشيوخ، فساد الإتقان والضبط والتنميق والزخرفة في الخط المغربي الصحراوي، فظهرت على إثر ذلك مجموعة من الرسوم الحروفية، خاصة ما يتعلق بالنعال وما رافقها من فنيات وجماليات وتركيب خطي مغربي جميل. وظهرت خطاطات صحراويات بارعات في انتساخ الكتب، منهن على سبيل الذكر لا الحصر ” هندو وهند بنت عبد الله المجلسية حفيدة الشيخ محمد بن سالم المجلسي الصحراوي المغربي، عالمة نشأت في بيت علم وصلاح، واشتغلت مثل أهلها بالتعليم والتأليف.. هذا بالإضافة اهتمامها بانتساخ الكتب.

فبدراسة حصيفة لمختلف النصوص المغربية؛ الأمازيغية والصحراوية، وفي نطاق التفاعل مع الثقافة المغربية بكل مكوناتها ومع التراث المغربي بكل مفرداته وعناصره، وبرصد للخط المغربي في النصوص وفي كل الوسائل، وفي المخطوطات وفي الأنسجة وفي الجدران وفي السكة النقدية وعلى الرق، وفي القنوات التواصلية، التي أسهمت في التحولات التي عرفها المجال الثقافي، يتبدى هذا التنوع؛ في التراث المغربي، وتتبدى مختلف الصيغ المظهرية والسبل الإقناعية للخط المغربي؛ في الثقافة المغربية، خصوصا وأن مختلف النصوص قد كتبت بخطوط مغربية متفاوتة الجمال ومختلفة الشكل والنوع، لتزكي مختلف العمليات التداخلية بين جمالية الخط المغربي المجوهر والمبسوط وبين الخط المغربي الصحراوي في الوثائق والشواهد ورسائل البيعة المباركة.

فهناك مجموعة من المراسلات التي تمت بين الملوك المغاربة وبين أعيان الصحراء؛ منها على سبيل الذكر لا الحصر مجموعة الرسائل التي تمت بين شيوخ وأعيان الصحراء والملوك العلويين، كرسالة القائد ابراهيم التكني إلى السلطان مولاي عبد الرحمان المؤرخة في فاتح ذي القعدة 1263هـ ورسالة الشيخ ماء العينين إلى السلطان مولاي عبد العزيز، والوثائق التي نشرها العالم والشاعر الأستاذ ماء العينين لابارس في بحثه الذي قدمه في ندوة البيعة والخلافة، والوثائق التي نشرها العالم الجليل محمد المنوني رحمه الله.. وغيرها من الوثائق والنصوص الأدبية والدينية والقصائد الشعرية المختلفة كأشعار الشيخ ماء العينين.

ومن خلال تلك الوثائق الصحراوية ووثائق أخرى؛ تتبدى مجموعة من التطابقات من حيث الجماليات ومن حيث الخط ومن حيث الشكل تفصح عن علاقة التداخل بين الخط المغربي المجوهر والخط المغربي الصحراوي والخط المغربي المبسوط مما يدل على الوحدة الثقافية المغربية. وتفصح المراسلات بين أعيان الصحراء المغربية وبين الملوك العلويين بهذا الخط على الوحدة الثقافية المغربية وعلى عمق الروابط الاجتماعية، وعمق روابط البيعة، ومظاهر الوحدة الترابية المغربية من البوغاز إلى الصحراء.

وبذلك يكشف هذا الخط الطابع الوحدوي في عدد من المراسلات، ومن خلال الظهائر السلطانية التي كتبها الملوك العلويون إلى أعيان الصحراء من جهة، ومن خلال الوثائق والشواهد والمراسلات التي كتبها أعيان الصحراء المغربية من جهة أخرى، وكلها كتبت بخط مغربي مجوهر أو مبسوط أو صحراوي، مما شكل تداخلا ثقافيا ومرجعا رامزا إلى الوحدة الثقافية والروحية والوطنية للمغرب من طنجة إلى الكويرة.

إن كل المقومات والدلائل المادية تُقدم مشهدا حيًّا على عمق الروابط الصحراوية في الثقافة المغربية بكل ما يقتضيه السياق التاريخي من تأكيد للجذور، وللمجال الاجتماعي وغيره، فالتفاعل مع ثقافة بلادنا، بكل مكوناتها، يؤدي إلى نتيجة مفادها أن التجليات الثقافية والفنية والدينية والاجتماعية تشكل نسيجا موحدا في كل الوثائق والمخطوطات، وفي النصوص بمختلف أجناسها، وفي الظهائر السلطانية الشريفة، وفي مجمل الوثائق السياسية، فهي تمد القارئ من خلال هذه القنوات التواصلية بإسهامات غنية، تتعلق أساسا بالتحولات التي عرفها المجال الثقافي، الذي حفظ للمغرب ثروة فكرية وثقافية أضحت مرجعا مهما عند الحاجة إليها، سواء عندما يتعلق الأمر بالجانب الاجتماعي أو بالمجال الثقافي. وللتدليل على ذلك فإن معالجة مختلف العمليات التداخلية بين كل المكونات الثقافية التي يشهد الخط المغربي الصحراوي بقدسيتها، وبصدق انتمائها إلى الوطن المغربي؛ فإننا نستجلي مجموعة من المفاهيم الوطنية والفكرية والثقافية والاجتماعية باعتمادنا على هذا الخط المغربي المتجذر في الثقافة المغربية والذي يتجلى في الظهائر السلطانية والتعيينات والمراسلات التي كتبها ملوك الدولة العلوية من جهة، وفي  الوثائق والشواهد والمراسلات التي كتبها أعيان الصحراء المغربية من جهة أخرى، إضافة إلى مجموعة من الإبداعات التي تقع بين ما هو ثقافي وفكري وفني؛ كلها تدلل على وحدة المغرب الترابية.

ولعل البحث في الخط المغربي “الخط الشاهد على وحدة المغرب” وفي النصوص التي كتبت بالأنواع المختلفة وفي النصوص الصحراوية المغربية وفي النصوص الأمازيغية، يقود إلى رصد علاقة التداخل بين كل مقومات الخط المغربي من جهة وبين الثقافة المغربية في شموليتها. ولاشك أن التفاعل مع مختلف النصوص العربية المغربية والحسانية والأمازيغية يرصد الأشكال الجمالية المتداخلة بين كل الأنواع في مختلف المواد والأجناس الإبداعية.  كما يرصد تفاعل كل تلك الأنواع مع الثقافة المغربية بكل مكوناتها ومع التراث المغربي بكل مفرداته وعناصره. فتجلى في كل القنوات التواصلية، التي أسهمت في ترسيخ الهوية الوطنية وتأكيد الوحدة المغربية، وهي تظهر جليا في مجموعة من الصيغ المظهرية ومجموعة من الصيغ الباطنية الإقناعية، خصوصا وأن مختلف النصوص قد كتبت بخطوط مغربية متفاوتة الجمال ومختلفة الشكل والنوع. وهي كلها تبرهن على الوحدة الوطنية المغربية من البوغاز إلى الصحراء.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق