الإعلام والإعلام المضاد وأزمة المصداقية

Elmorjani Mehdi17 أبريل 2024675 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
الإعلام والإعلام المضاد وأزمة المصداقية

اخبار الشعب/

 

 

“وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض.. لديهم القدرة على جعل المذنب بريء وجعل الأبرياء مدنيين.. وهذه هي السلطة لأنها تتحكم في عقول الجماهير.” مالكوم إكس (*1).

 

مقدمة (1).

الثورة التكنولوجية التي عرفتها الساحة الإعلامية مند بداية استخدام الرقمنة والانترنيت وتكنولوجيا المعلومات جعلت العالم يعيش عصرا اتصاليا تحكمه علاقات اجتماعية قائمة على مدى كيفية استخدام الوسائل الحديثة التي أتاحتها تلك الثورة المتمثلة في تكنولوجية التواصل الاجتماعي في انتاج المضمون و توفير المعلومة و كدلك على ما مدى تأثير تلك الرسائل على المجتمع و التفاعلات الاجتماعية التي تترتب عنها خاصة ادا ما سلمنا بأن الرسالة الإعلامية هي مجموعة من الافكار و الرؤى و القيم التي قد تؤثر على السلوك و التفكير الاجتماعي بصفة عامة.

 

و هكذا نجد أن مضمون ما لرسالة إعلامية ما قد يؤثر على مجموعة من القيم و المعتقدات لمجتمع ما , كما يمكن ان يكون لدلك المضمون او تلك الرسالة تأثير على توجهات الافراد و سلوكهم بخصوص تلك القيم و المعتقدات و الدفع بهم الى المطالبة بإحداث تغييرات في المجتمع الدي ينتمون اليه.

 

كما يمكن، أيضا، أن تحمل تلك الرسائل الاعلامية مضمونا يعكس الرغبة في توزيع السلطة والهيمنة داخل دلك المجتمع من خلال تعزيز سلطة فئة اجتماعية او سياسية ما على فئة أخرى.

 

وأمام التخمة الإعلامية التي نعيشها اليوم جراء هدا السيل المتدفق والجارف من الرسائل والمضامين، عبر مختلف قنوات التوصل من اعلام تقليدي وآخر جديد والمتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع والمنصات الرقمية وغيرها… نتساءل: مادا نصدق …. وأي من تلك الرؤى ووجهات النظر أصح…. هل اننا أمام وجود أزمة مصداقية أمام هدا الانتشار للكم الهائل من المعلومات ….

 

الاعلام وأزمة المصداقية (2).

لقد ارتبط مفهوم الاعلام بتقديم الحقائق كما هي مند نشأته بينما ارتبطت الدعاية بالأكاذيب والتضليل مند بداية الحرب الباردة وفي هدا الصدد نستحضر القولة المشهورة لونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية “ن الأكذوبة تقوم بدورة كاملة حول العلام قبل أن تنتهي الحقيقة من ارتداء سروالها…”(*2).

 

وقد عرف العديد من الباحثين في حقل الاعلام مفهوم المصداقية باعتبارها المؤشرات التي تحدد صدق المضمون او الرسالة من كدبه كما دهب البعض الاخر الى اعتبارها اي المصداقية البديل العلمي للمسؤولية الصحفية.

لكن الامر أصبح جد مختلفا عما كان عليه في زمن الحرب الباردة، فالأكذوبة بإمكانها بفضل الثورة التكنولوجية ان تقوم بدورات متعددة في حين ان الحقيقة لم تشرع بعد في ارتداء سروالها مما ساهم في تعميق أزمة المصداقية الإعلامية كرد فعل على سرعة تدفق المعلومة من جهة والكم الهائل للمعلومات التي تروج لها وسئل الاعلام والتواصل بصفة عامة والتي تسعى من ورائها الى لفت انتباه أكبر عدد من المتلقين

 

وقد شهدت العقود الأخيرة زيادة في الاهتمام بقضية المصداقية نتيجة لظاهرة انهيار الثقة في وسائل الاعلام التقليدي في مرحلة أولى لتصل تلك العدوى الى الاعلام الجديد وكافة وسائل التواصل الاجتماعي.

الاتصالات البديلة والاعلام المضاد (3).

يعتبر الإعلام المضاد (Countermedia) مفهومًا معقدًا يندرج ضمن إطار وسيكولوجي، حيث يشير إلى مجموعة من الوسائل الإعلامية التي تسعى لتقديم نظرة مختلفة عما يُعرض في وسائل الإعلام التقليدية.

يمكن تعريف الإعلام المضاد بأنه تدفقٌ إعلامي يهدف إلى التصدي للمعلومات والرؤى السائدة، وغالبًا ما يسعى إلى تقديم نظرة نقدية أو بديلة عن المواضيع التي يتناولها.

 

السياق التاريخي للإعلام المضاد وأهدافه (4).

تشير الدراسات السسيولوجية الإعلامية إلى أن نشأة الإعلام المضاد جاءت كنتيجة لعدم الرضا عن التمثيل الإعلامي الذي تقدمه وسائل الإعلام التقليدية. فقد شهدت العقود الأخيرة توجهًا متزايدًا نحو الاعتماد على وسائل الإعلام المضادة كوسيلة للتعبير عن الآراء والتصدي للرؤى السائدة التي يروج لها الإعلام التقليدي.

 

ويتمثل الهدف المتوخى من نشأة الإعلام المضاد في تحقيق توازن في المعلومات المتداولة، وتقديم رؤى متنوعة ومتعددة حول القضايا الهامة. وبالتالي يُعتبر عاملًا مهمًا في تعزيز الحوار الاجتماعي وتشجيع التفكير النقدي بين الأفراد كما يُظهر أهمية بالغة في تعزيز التنوع الثقافي والفكري، وتحفيز الحوار الاجتماعي، وبناء مجتمع أكثر تسامحًا وتفهمًا. إنه عنصر أساسي في مسيرة بناء مجتمعات أكثر تفاعلًا وديمقراطية.

 

مادا عن تاريخ الاعلام المضاد (5).

تاريخ الإعلام المضاد يعود إلى فترات مختلفة في تاريخ الإعلام، حيث بدأت ظهوره تحت أشكال مختلفة في سياقات مختلفة. إليك نظرة سريعة على بعض النقاط المهمة في تطور الإعلام المضاد:

القرن التاسع عشر: في هذه الفترة، بدأت بعض الصحف والمجلات البديلة في الظهور كرد فعل على الصحافة الرسمية والموجهة. على سبيل المثال، في بريطانيا، ظهرت العديد من الصحف الراديكالية التي تناولت قضايا اجتماعية وسياسية مهمة.

 

القرن العشرين شهد القرن العشرين ازدهارًا للإعلام المضاد، حيث بدأت الحركات الاجتماعية والسياسية في استخدام وسائل الإعلام البديلة مثل المجلات النقابية والإذاعات المجتمعية لنشر آرائها وتعزيز قضاياها. لكن مع ظهور الرحمنة وثورة الإنترنت في العقد الأخير من القرن العشرين، ازدادت أهمية الإعلام المضادة بشكل كبير. فظهرت المدونات الشخصية ومنصات التواصل الاجتماعي كوسائل للتعبير الفردي والجماعي والتصدي للرؤى السائدة حتى أضحى في العصر الحالي، يشهد وثيرة تطور تطورً جد سريعة ومستمرة في التعبير عن أفكارما وتحقيق تأثيرات داخل المجتمع.

بشكل عام، يمكن القول بأن الإعلام المضاد قد استمر في التطور والتغير مع تطور المجتمع والتكنولوجيا، وظل يلعب دورًا هامًا في تشكيل الرأي العام وتعزيز التنوع الثقافي والفكري حتى في ظل الاعلام الجديد فما هو الفرق بين الاعلام المضاد والاعلام الجديد…؟

 الإعلام المضاد والإعلام الجديد (6).

الإعلام المضاد والإعلام لجديد يشير كلاهما إلى جوانب مختلفة من الوسائل الإعلامية وتطورها في العصر الحالي، لكن لهما معانٍ مختلفة ويتناولان أساسًا أمورًا مختلفة.

الإعلام المضاد (7).

ويشير إلى مجموعة من الوسائل الإعلامية التي تسعى لتقديم نظرة مختلفة عما يُعرض في وسائل الإعلام التقليدي. من بين أهدافه التصدي للمعلومات والرؤى السائدة وغالبًا ما يسعى إلى تقديم نظرة نقدية أو بديلة عن المواضيع التي يتناولها الإعلام التقليديو ايضا تحقيق توازن في المعلومات المتداولة وتقديم رؤى متنوعة ومتعددة حول القضايا الهامة.

الإعلام الجديد (8).

يشير إلى الوسائل الإعلامية التي تستخدم التكنولوجيا الحديثة والوسائل الجديدة لنقل المعلومات والتواصل مثل الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، والتطبيقات الرقمية، وغيرها، والتي أصبحت جزءًا أساسيًا من حياة الناس وتأثيرها على المجتمع. كما يُمثل الإعلام العصري التطور الحديث في صناعة الإعلام والتواصل، ويتيح للأفراد الوصول إلى المعلومات وتبادلها بسهولة وسرعة.

 

خاتمة (9).

وكخلاصة للتعريف بهدين المفهومين، فالإعلام المضاد يشير إلى نوع معين من الإعلام الذي يهدف إلى التصدي للرؤى السائدة، في حين يشير الإعلام الجديد إلى الوسائل الإعلامية التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة وتطورات العصر الرقمي في نقل المعلومات والتواصل. لكن وكاستنتاج لما سبقت الاشارة اليه، فالمشكلة تكمن في أن المتلقي العادي يكوّن نظرته مما تقدمه له هذه الوسائل الإعلامية التي يفترض بها أن تتعامل بموضوعية ونزاهة. لكنها تقوم بتغطية وتقديم الأحداث وفق أهداف سياسية مرسومة سلفاً في ظل نفوذ خطوطها التحريرية، كما أنها تشيع القضايا المفبركة أمام الرأي العام دون مساءلة، أو رقيب مهني، او أخلاقي وتقنع الناس أنها ما تقدمه هو الحقيقة التي لا حقيقة سواها.. ولحد الان لم يظهر إعلام مضاد يتصدى لهدا التضليل الإعلامي الامر الدي يؤكد استمرارية أزمة المصداقية في المضمون الاعلامي بصفة عامة.

هكذا أصبح الكل يتعامل مع المصادر الإخبارية على الأنترنت مباشرة، ويشارك في تدفق المعلومات سواء كانت كاذبة أو صادقة. فنحن في عصر صار فيه كل مَن يحمل هاتفًا جوالًا أو لوحة مفاتيح محللًا ومخبرًا صحافيًا. ولا يقتصر الأمر على هذه الفئة التي يسميها أهل المهنة بهواة الإعلام بل أن الأمر بلغ حدًا بالقادة والرؤساء حيث أصبحت لهم منابر على تويتر و فيسبوك و انستجرام تغنيهم عن الصحفيين منهم، وإيصال ما يريدون أن يسوّقوا له من أخبار ومعلومات.ولن يؤدي انتشار صحافة المواطن أو الهواة إلى اختفاء مهنة الصحافة، فبالرغم من سرعة نقل الأخبار من خلال استخدام الهواتف الذكية، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن كثيرًا من هذه الأخبار غير دقيقة، وبعضها مزيف، ما جعل الكثير من الصحف تلجأ إلى إضافة مهنة جديدة، تُسمى بالمدقق مهمته تقييم دقة المعلومات وصحتها.                                                

صحفي و باحث في علم الاجتماع الاعلامي

 

(*1) مالكوم اكس: مناضل أمريكي افريقي من اجل العدل والمساواة وداعية اسلامي مدافع عن حقوق الانسان.

(*2) السير ونستون ليونارد سبنسر تشرشل. جندي وكاتب بريطاني شغل منصب رئيس الوزراء في المملكة المتحدة الأولى اثناء الحرب العالمية الثانية.

المراجع:

  • كتاب بعبارة أخرى محاولات باتجاه سوسيولوجيا انعكاسية بيير بورديو ترجمة أحمد حسان.الرابط fOULABOOK.COM/AR/BOOK. عدد الصفحات 360-

  • الاعلام وتشكيل الرأي العام وصناعة القيم. عبد الاله بلقزيز+ مجموعة من الباحثين. مركز دراسة الوحدة. سلسلة كتب المستقبل العربي. isbn 1397899538266363..

  • سيكولوجية التحكم بالعقول. الاشاعة والدعاية والحرب النفسية والالكترونية. دراسة نفسية اجتماعية معاصرة. محمد قاسم عبد الله. سنة 2022.isbn 1397861400268951. . الدار العربية للنشر.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق