اخبار الشعب/بقلم: هاني مراد
منذ ظهور أول حالة من الجائحة العالمية لمرض فيروس كورونا (كوفيد 19 )، عرفت بلادنا العديد من الإجراءات و التدابير التي اتخذت بتعليمات مباشرة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. أبرزها هو الحجر الصحي و إعلان حالة الطوارئ الصحية، و مع هذا التدبير تغيرت حياة المغاربة رأسا على عقب و أخذ الجميع يفكر و يتساءل عن أمور لم تكن تخطر بالبال في الماضي القريب و أضحت الأحداث العادية و التحركات اليومية تفاصيل مستعصية و مقيدة في ظل زمن كورونا. اليوم، يحاول المواطن المغربي أن يتكيف مع أجواء لم تكن في الحسبان، فهو يرى مدرعات عسكرية تجوب الشوارع، و أصبح يسلك طرقا تتخللها حواجز أمنية تراقب رخصة التنقل الاستثنائية و يتخبط العامل في حيرة إن كان سيفقد شغله أم سيواصل عمله في ظل تهديد الوباء بعد أن أغلقت عدة شركات و مؤسسات أبوابها و كيف له أن يتدبر أجره اليومي أو الشهري. الكل وجب عليه التعامل مع الظرفية الخاصة التي نعيشها ،افتقدنا صخب الحياة بمشاكلها و تفاهتها و جدها والكثير يحن اليوم إلى عادات الأمس التي كانت تعتبر من المسلمات و من الحيثيات التي لا أحد يعيرها قيمة. و كأننا نعيش سيناريو فلم هوليوودي، و البعض مازال لم يصدق واقعنا اليوم و يراوده الشك في كثير من الأحيان إن كان في حلم أو يجابه واقعا مريرا. ذهب البعض الآخر إلى التشكيك في أصل الوباء و يتساءل إن كان أمرا مدبرا أريد به أغراض اقتصادية أو حرب عالمية بين قوى عظمى بأسلحة بيولوجية فيروسية جديدة، و لكن ما هو مؤكد و حتمي هو أننا نعيش كابوس وباء فتاك، عجزت أقوى الدول العالمية بمنظوماتها الصحية الرائدة على مجابهة هذا الفيروس الخطير، ووقفت عقيمة تحصي ضحاياها من مرضى و موتى. أما في المغرب، فبمجرد ظهور أولى الإصابات، اتخذت الدولة المغربية بتعليمات سامية من ملك البلاد إجراءات استباقية و متتالية و تعتبر صارمة نوهت بها كبريات الصحف العالمية و لم تتخذ في دول موبوءة إلا بعد فوات الأوان، لأنها معادلة صعبة فمن جهة تضمن هذه الإجراءات صحة و سلامة المواطن مثل إغلاق بعض الشركات و إغلاق المؤسسات التعليمية، الحد من التنقل و تقليص توقيت مداومة المتاجر و الأسواق و إغلاق المقاهي و المطاعم و منع السفر الداخلي و الخارجي طبعا، و لكن الطرف الأخر للمعادلة صعب و هو اقتصاد البلاد، فكل هذه الإجراءات تضر و تأثر بشكل كبير على مالية الدولة
كورونا لا يعتبر بالنسبة لنا وباء قاتلا يهدد صحة المواطنين فقط، بل فرصة ذهبية لاستخلاص دروس و عبر لم نكن لنقف عندها لولا هذه الأزمة الصحية التي أزالت الستار عن العديد من النقائص و أبرزت الكثير من الإيجابيات. الصحة و التعليم من النقاط الأساسية الواجب الانكباب على مناقشتها و مراجعتها و أيضا دور مؤسسات الدولة و الذي كان محوريا في ظل هذه الأزمة و أخيرا روح التآزر و الوطنية التي وطدت من جديد
الدرس الأول المستخلص من كورونا هو إعطاء أولوية للقطاعات التي تتواجد اليوم في الخطوط الأمامية لمجابهة فيروس كورونا و هي الصحة و التعليم بالدرجة الأولى. قد يعتبر الكثيرون أن هذا ليس بمستجد، و الجميع كان يعلم الوضع الكارثي للتعليم و الصحة، و أنه كان مطلبا شعبيا لسنوات خلت. لكن الجديد والعبرة المستفادة هو أن هذه المواضيع أصبح اليوم عليها إجماعا كليا على أهميتها و أولويتها. فضرورة الاهتمام بالقطاع الصحي استفادت منه حتى أقوى الدول العالمية و التي أهملت هذا الجانب رغم قوة القطاع إلا أن الجهود انكبت على ميادين أخرى كالاستثمار في كبريات الشركات و عالم المال و الأعمال و المسارعة لسباق التسلح، فها هي اليوم تعاني من نقص الأسرّة و الأطر الطبية بل و حتى أبسط الأدوات و التجهيزات الطبية كالكمامات. أما في بلادنا، فالكل متفق على أن قطاع الصحة كان يحتضر بتجهيزات و مستشفيات مهترئة و ميزانية أقل ما يقال عنها أنها هزيلة و خصاص في الأطقم طبية إذ أن أغلبها يتجه نحو القطاع الخاص أو يغادر البلاد في إطار هجرة الأدمغة، و لكن الجديد في زمن كورونا هو بزوغ طائر الفينق من رماده، و يمكن تشبيه صحوة هذا القطاع كمشهد في فلم حماسي حيث يتلقى البطل لكمات و ضربات تسقطه أرضا منهك القوى و لكنه يتذكر أشياء و ذكريات و يسمع تشجيعات تجعله يقوم وقفة بطولية و يرد الهجمات لينتصر أخيرا. فمثل هذا المشهد نعاينه في منظومة الصحة اليوم، وقف القطاع الصحي تلبية لنداء الوطن و لخدمة الشعب أسوة بقائد البلاد الذي يسهر على سلامة و صحة شعبه و تجندت الأطقم الطبية بكل نكران للذات ووضعت نفسها سدا منيعا و خطا أماميا لمواجهة الوباء، جهزت المستشفيات بأدوات و آليات و أصبحت معدة لاستقبال المرضى و بالمئات بعد أن كانت تعطي مواعيد لإجراء كشف بسيط في غضون أشهر و مرات يتجاوز الموعد السنة و أكثر. غدينا نرى من الكفاءات الطبية ما يدعونا للافتخار بأبناء بلدنا، أصبح السياسي مستعدا للتصويت على الرفع من ميزانية الصحة و بدون مزايدات، انخرط القطاع الخاص للأطباء أيضا في محاربة هذه الأزمة و عرضوا مصحاتهم و خدماتهم على وزارة الصحة تلبية للواجب الوطني و استدراكا للخطوة التي أقدمت عليها الهيأة الوطنية للأطباء بطلب دعم من الدولة خشية الإفلاس. و من هنا تلعب كورونا دور البوصلة التي توجه الاهتمام نحو الاتجاه الصائب و تخط نموذجا تنمويا صحيا جديدا يوصي بالاهتمام بالعنصر البشري فجل العاملين في القطاع الصحي وجبت العناية بهم ماديا و تكوينيا، بالإضافة إلى كون هذا القطاع هو مسؤولية الدولة و خوصصته مسألة مرفوضة تماما إذ تعتبر المؤسسات الصحية الخاصة تكميلية فقط و ليست القاعدة و ما يعني أن الدولة مستحيل أن ترفع يدها على هذا القطاع الحيوي و الأساسي للمواطن
نواصل في المحور القادم باذن الله درس كورونا في التعليم