هموم في بلاط صاحبة الجلالة

MOSTAFA CHAAB9 مايو 2022136 عدد المشاهدات مشاهدةآخر تحديث :
هموم في بلاط صاحبة الجلالة

 

اخبار الشعب/نزهة الادريسي:

الثالث من أيار/مايو من سنة 1993هو اليوم الذي أعلنت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وذلك على أثر توصية موجّهة إليها و اعتمدها المؤتمر العام لليونسكو سنة 1991. وهو مناسبة لإعلام الشعوب بانتهاكات حرية الصحافة و الرقابة اللا مشروعة التي تمارَس على المنشورات، والناشرين والغرامات التي تفرض عليهم أو تعليق اصداراتهم ، وغلَق دور النشر، إضافة لتسليط الضوء على ما يلقى الصحافيون والمحررون والناشرون من المضايقات والاعتداءات والاعتقالات وحتى الاغتيال في حالات متعددة .
إن كان هذا اليوم مناسبة لتذكير الحكومات بضرورة احترام التزاماتها بقوانين حرية الصحافة و تسهيل مهمة الصحافيين و العناية بأحوالهم الاجتماعية و توفير الحماية لهم حتى يستطيعوا أداء مهامهم في أحسن الظروف . هو أيضا بمثابة وقفة تأمل من طرف مهنيي الصحافة من أجل مراجعة النفس و تقييم الأداء و مدى احترامهم لأخلاقيات المهنة و التزامهم برسالتها فيما يخص أمانة تبليغ الخبر و تنوير الراي العام .
فإن كنا متفقين و متضامنين مع كل المطالب المشروعة للصحفي لدى الحكومات و الهيئات فإننا نطالب أيضا من كل مهنيي الصحافة بمختلف شرائحهم أن يقفوا وقفة تأمل في هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة مع أنفسهم و يمارسوا حملة تطهير جريئة داخل بلاطها . فمنذ اليوم الذي تعددت فيه وسائل التواصل الاجتماعي و القنوات الحرة خاصة الفضائية ، عرف بلاط صاحبة الجلالة الكثير من المشاكل و الهموم أضخم من التي تعاني منها من أطراف خارجية ، بل أضحت هذه الفضائيات وبالا على الصحافة و الاعلام في العالم أجمع ، إذ حولت الصحافة أداة لاستفزاز بعض الانظمة أو التيارات و التكتلات الفكرية أو الدينية و المذهبية و المؤسسات أو الاشخاص ، كما حولت الصحفي لمرتزق يعمل لصالحها حتى وإن أدى الأمر لتزييف الأخبار أو تسليط كامرته من الزاوية التي تخدم الجهات التي تدفع له راتبه ، و بالتالي يتورط في اخبث عملية لتضليل الراي العام بدل تنويره .
في زخم الأحداث التي نراها اليوم صارت الحقيقة هي الحلقة المفقودة ، قد يجدها الانسان العادي لو تدبر سبيلها بمجهوده الخاص و يفقدها المتلقي الذي يقبع أمام الشاشات ، لأن الصحفي لم يعد يتمتع بالاستقلالية و الحرية و يمارس عمله بحيادية و ينقل الخبر بأمانة ، بل صار مأجورا رهين مصلحة من يدفع له تماما كالمرتزق الذي يحمل السلاح ويقاتل من أجل المال مغامرا بحياته و سلامته في معركة خالية من كل مبادئ النبل و الفروسية . بل ربما كان ما يقترفه الصحفي أفظع مما يقترفه المرتزق بسلاحه الناري ، فهذا يمكن أن يقتل أفرادا ، أما الآخر فيساهم في قتل شعوب بأكملها عندما يزيف الحقيقة أو يبتر الخبر و يعيد صياغته حتى يستقيم مع الغرض الذي تبتغيه الجهة التي أرسلته . ونحن نلاحظ هذا على جميع الساحات المشتعلة أو التي تعرف توترات سياسية ، إذ تنهال علينا الأخبار بشتى الألوان و الاشكال ، و السيناريوهات و التخريجات حسب جهات البث و مدى قدرتها و تفننها في العبث بالخبر و تزييفه حتى تقنع به المتلقي و تصل للهدف المنشود الذي يكون غالبا ضد سلامة و استقرار الشعوب . و ليس أدل على ذلك من المصير الذي آلت إله البلدان و الشعوب التي عرفت هزات سياسية و ثورات أو غزوات في السنوات الاخيرة من حرب أفغانستان و غزو العراق ، إلى حرب سوريا و ليبيا و اليمن و غيرها من الدول التي اكتوت بنار الحرب … كلها انقلبت إلى ما يشبه حلبات مصارعة أو ملاعب لكرة القدم .. فرقاء في مبارزات حامية و متفرجين كل يشجع فريقه المفضل بكل حماس و إن كانت أدوات اللعب أسلحة فتاكة و المتبارين قتلى أو مقتولين وهذا الصحفي أو ذاك يتفنن في نقل الخبر و الأحداث بما يشبع رغبة فريقه أو يزيده تألقا و إقناعا للجمهور ، أما المهنية و المصداقية فلتذهب مع الريح ….
و الأخطر هي تلك المصطلحات التي تروجها الصحافة مع الأحداث و الأوضاع في الساحات المشتعلة خاصة العربية ، و التي تحمل ايحاءات كارثية و مدمرة منها عبارة ” جيش النظام ” التي رافقت الحرب على سوريا لوضع الجيش في نفس مرمى النظام المغضوب عليه خارجيا و إثارة الشعب عليه لخلق توتر بين الشعب و جيشه حتى يسهل إضعافه و بالتالي إسقاط الدولة و عبارة ” المعارضة المسلحة ” رغم أن المعارضة الوطنية لا تحمل سلاحا لكن هنا لإضفاء الشرعية على المرتزقة المجندون من خارج البلاد للإطاحة بالبلد و خلق صراعات دموية داخل الوطن . ومازالت نفس العبارتين بمخزونهما المدمر تروج و تطغى على وسائل الاعلام العربية بكل دولنا التي ترزح تحت وطأة الصراعات الداخلية .
أما الحرب الدائرة اليوم بين روسيا و أوكرانيا فهي ساحة أخرى تكشف و تفضح إعلامنا و صحفنا العربية و مدى هجرهم للمهنية . فلا تتحفظ بعض وسائل الاعلام على كشف تحيزها لاحد اطراف الحرب أو ربما خطها الاعلامي لم يجد بدا من المضي قدما للأمام في الطريق الذي خط له منذ تأسيسه و لا يتورع في العبث بالخبر و الصورة حتى تستقيم مع الخط السياسي و نظام الدولة التي يتشبث بذيلها …
الكل الآن يلعب على المكشوف ، أو ربما الأحداث أبت إلا أن تكشف من يزيف الحقائق من صحفيين و قنوات و مؤسسات اعلامية .و ليس هناك مهرب من تنظيف بلاط صاحبة الجلالة من كل المتسلقين و المنافقين و الكذابين حتى تستعيد صفوة خدامها الاوفياء للمصداقية و المهنية، ورسالتها الانسانية و الاخلاقية في تنوير الشعوب و المساهمة في صنع رأي عام يخرج شعوبنا من حيرتها و يقودها لبر الامان .

بقلم نزهة الادريسي
المملكة المغربية
argana_63@live

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اخبار عاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق